اسرار بريس: بقلم الأستاذة لالة خديجة مبروك.
كل شخص منا يطوق إلى العيش في مجتمع تسوده الديموقراطية،ولا ينحصر هذا المفهوم عنده على الإدلاء والتعبير بحرية عن الأمور السياسية والإجتماعية،بل تزداد رغبته الشخصية في التعبير وإثبات الذات،مما يستوجب تمتعه وتصرفه بكل حرية.
فالله سبحانه وتعالى خلقنا لنعمر الأرض،ونعيش،مع احترام المبادئ الدينية والأخلاقية،والسؤال المطروح،هل يصح أن نربي ابناءنا على مناهج تربيتنا؟وكيف نتعامل مع الشباب المراهقين؟ فحسب قول الفيلسوف سقراط الذي قال:”لا تكرهوا أولادكم على آثاركم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم “.نجد أن الجانب الأكثر وضوحا في هذه المقولة هو أن مسار الحياة دائم التغيير،حسب التطورات الحضارية بما فيها هيمنة الوسائل التكنلوجية المتطورة،التي أصبحت هاجس الشباب،فالزمان دون الزمان،وحتى الزمن يتسابق مع الزمن….
فالشباب هم القوة التي يرتكز عليها المجتمع،ومن أجل خلق مجتمع راقي يجب الإستناد على ركائز قوية لا تهتز،كالقيم والمبادئ والأخلاقيات التي تدعم الشباب،هذا الشباب الطموح الذي أصبح متمسكا بالإستقلالية في شؤونه الخاصة،إنها حريته التي أصبح يستثمر مبادئها للتعبير عن ذاته،وتلبية رغباته.فكل الشباب يطمح إلى الحرية،وكل الشباب يتطلع إلى المرحلة التي تمكنه من الإعتماد على نفسه دون قيود عائلية،ولا توجيهات.فالآباء ليسوا مجبرين على إعطاء نصائح وتوجيهات يرفضها الشباب،بقدر ما هم مطالبون بإعطاء توضيحات لأبنائهم لمعرفة المدى المفيد للإستقلالية الذاتية،مع أهمية تحديد كيفية التطبيق،ومنحهم الجرعة المناسبة من هذه الحرية التي ستعطى لهم.فكلنا نعلم أن إسراف الشباب في تمتعهم بحرية مطلقة،يتسبب في مشاكل يصعب معالجتها،كالخروج عن الآداب والعادات،وعدم إطاعة الأوامر والنواهي الصادرة من الوالدين أو المربين.
فكثيرا ما يتظاهر الشباب في هذه المرحلة(المراهقة)بالقوة للحصول على الحاجات والرغبات،وممارسة العناد إلى غير ذلك.كل هذا ينهجونه للتعبير عن الرغبة في الإستقلال والتحرر من كل القيود العائلية والإجتماعية.فنحن نربي،ونلقن، ونكون،لذا من المحتم علينا أن نمنح أولادنا حرية موجهة،لا حرية مطلقة،لأن هذه الحرية الموجهة تكون بمثابة نموذج مساهم في تحقيق التخلص من القيود الخاطئة التي تحول دون تنمية الإبداع،والإبتكار عند الشباب الطموح،كما تنمي لديهم الفكر البناء العلمي والثقافي،وتغني القيم الإنسانية لديهم،بخلاف الحرية المطلقة التي لا ترتكز على ضوابط ومقاييس،مما يجعل مخاطرها،وآثارها السلبية تؤدي إلى تدمير الشباب.
لنتأمل في أحوالنا المعاصرة،ولنحسن أسلوب الحوار مع شبابنا لمعالجة كثير من مشاكلهم،والإشكاليات التي قد تعترض طريقهم.
فالتواصل الإيجابي يخلق جسرا تمتد عبره الأساليب التواصلية،الإيجابية التي تجعل الشاب يثبت ذاته،وعلى أنه ليس مجرد عنصر متلق، وإنما هو شخص فعال بتعبيره عن أفكاره واكتشافه للعالم الخارجي من حوله،إضافة إلى مساهمة المنظومة-المتكونة من الأسرة والمدرسة والجامعة-في تشكيل وعيه،وإبعاده عن التبعية.فالتواصل الفعال والتوجيه الناتج عن الحوار الثنائي المفتوح بين الآباء والشباب،يكون بمثابة توعية أسرية بخصوص الإنتماء للوطن،وبناء جيل ناضج غير متأثر بالأفكار الهدامة.
فكلنا نسعى لتكوين هذا الجيل ونغرس بداخله أسس ومبادئ الحرية الموجهة.هذه الحرية التي هي حق من حقوق العيش،وكل حق يقابله واجب ،وحق الحرية يقابله واجب احترام وتقدير المسؤولية،مع الإلتزام بالقواعد التي تساهم في تطوير المجتمع.فلا حياة بدون حرية،ولا حرية بدون واجب المسؤولية.