رأيسلايد

الحياة الانسانية مابعد كورونا

اسرار بريس: بقلم :د خليفة مزضوضي من مراكش 

تبعت جائحة كورونا إجراءات وقائية كالعزل الصحي، وخلّفت هذه الإجراءات تغييرات جذرية في حياة الأفراد، وخاصة المثقفين العرب، حيث بان بالكاشف جريمة تغييبهم لصالح السطحيين، بينما أعادت هذه الأزمة لفت النظر إلى أصحاب العلم والثقافة، والوعي بأدوارهم. .

اقرا من خلال انعكاسات وتأثيرات جائحة كورونا على الثقافة والمثقفين، وذلك من خلال مواجهة المثقف ودوره، ووضع بعض النقاط على الحروف في الكثير من قضايا علاقة المثقف بالسلطة والمجتمع، مؤكدا أن الأزمة فضحت تردي دور المثقف.

لم ألاحظ أي تجليات غير معتادة للمثقف في جائحة كورونا، فكبار الأسماء الثقافية والفنية، لم تستطع أكثر من أن تجلس أمام الكاميرا لتسجل مقطعا تنصح فيه الناس بالالتزام بتوجيهات وزارة الصحة، والالتزام بالبيوت لما فيه مصلحتهم ومصلحة المجتمع، وبعض الفنانين قاموا بارتجال بعض المشاهد التي تبث نفس المعاني للناس”.

أدوار المثقفين

 الأمر الملفت هو أن بعض المثقفين صاروا يضعون كومة كتب مختلفة في الرواية والفلسفة والتاريخ، وهم يقولون إن هذه سوف تكون برامج قراءتهم لهذه الفترة. وبعضهم يتحدثون عن انحباس غير مدركين بأنه كلما حاولوا الكتابة فإنهم يدورون في حلقة العزلة والانفصال عن الناس، وهو الأمر الذي لم يتعود عليه المواطن العربي”.

ويرى الناصر أن “دور المثقف محدود جدا، ففي السنوات الماضية تم تهميش وتحطيم صورة المثقف صاحب الرأي، وتم ذلك على أساس أن الزمن قد تجاوزه ولم يعد هناك من يستمع له أو يقرأ أفكاره إلا قلة قليلة، فزمن كبار المثقفين وتعلق القراء والمجتمع بما يقولون ويكتبون قد ولى، ولهذا صار أغبى مغرد في السوشيال ميديا يعادل في تأثيره العشرات من المثقفين، لأن متابعيه بالآلاف في حين صفحة المثقف العتيد على موقع فيسبوك أو تويتر أو مقالته المنشورة في الجرائد المنسية ليس لها أي متابع، إلا قلة قليلة أغلبهم من معارفه وأصدقائه”.

دور المثقف صار محدودا جدا بعدما تحطمت صورته كصاحب رأي وتم ذلك على أساس أن الزمن قد تجاوزه

لا استبعد بعض الانعكاسات الإيجابية على المثقفين التي تعيد لهم أدوارهم الفاعلة في المرحل القادمة إذا انتبهوا للأمر، “منها انكشاف الوجه والدور الحقيقي لما يسمى بمشاهير السوشيال ميديا، وهذا قد يفتح مجالا للقراء والمشاهدين للالتفات إلى أصحاب الرأي الناضج، المجرب، الواعي بشكل أكثر. وهذه الأزمة كذلك سوف توفر الفرصة والوقت اللذين قد يساعدان المثقف لإنجاز ما هو معلق من مشاريع للكتابة أو القراءة، وهذه الأزمة المليئة بالقصص والحكايات والمواقف قد توفر مادة خاما يلتقطها المثقف للاستفادة منها فنيا وثقافيا بعد انتهاء الأزمة”.

 إلى أنه لم يعد خافيا الآن بأن التيارات السلفية قد تم استخدامها لمواجهة وتشويه وتدمير الكثير من التيارات ذات الأفكار الوطنية والتحررية، بدعوى أنها تحمل أفكارا علمانية أو شيوعية.. إلخ، وأنها معادية للعقيدة والدين، والآن انكشف الغطاء ليس فقط تجاه ارتباط هذه التيارات بجهات مشبوهة خارجيا وداخليا فقط، ولكن الأهم والأخطر هو تخلخل القناعات تجاه الفكر السلفي الديني، لأنه صار خارج التاريخ ولم يعد قادرا على مسايرة حركة التطور الإنساني.

وما زاد من ورطة هذا التيار هو وجود تيارات فكرية وثقافية تاريخية تم طمسها وتغييبها عن الساحة الإسلامية، ومن بينها فكر المعتزلة وأفكار الفلاسفة العرب والمسلمين، وبدأ الناس يتفاجؤون بوجود مثل هذه الأفكار الجريئة في أسئلتها وأطروحاتها قبل ألف سنة أو يزيد. لهذا نلاحظ هذه الأيام ورطة التيارات الدينية (بكافة طوائفها) التي استغلت بساطة الجماهير وإيمانها العفوي، ودأبت على استغلال هذه الحالة لمصالحها الشخصية بقدر ما استغلتها قوى غربية معروفة لضرب التيارات والأفكار السياسية والاجتماعية التي تدعو إلى التحرر من قيود الأسر الثقافي المتحجر”.

التغييرات الكبرى

اتساءل هل ستغير جائحة كورونا في قناعاتنا وأفكارنا وعاداتنا؟ ويقول “الجواب المنطقي هو نعم، إنها ستفعل ذلك، فمن يمر بمحنة كهذه المحنة ليس له خيار بأن يتأثر أم لا. وأحد الأسئلة التي ترفع رأسها: كم يحتاج تغيير عاداتنا من الوقت ليترسخ كسلوك وعادة جديدة في حياة الفرد والمجموع؟ لقد اختلفت آراء الباحثين والدارسين في هذا الموضوع، بعضهم ماكسويل مالت في خمسينات القرن الماضي، قال إن الحد الأدنى هو 21 يوما ‘لتبدأ’ عملية التغيير، وفيليبا لالي على غرار البعض الآخر ذهبت إلى أبعد من ذلك”.

لكن النقطة المهمة هي أن أي تغيير في أي عادة أو أسلوب أو معتقد يجب أن يكون خيارا لكل شخص، خيارا يدركه هذا الشخص ويعيه ويعمل على تثبيته وتعميقه ‘كنتيجة مقارنة لما كان وما يحدث في حياته، كأنها عملية نقد ذاتي ناجمة عن الظروف والأوضاع المستجدة‘ وخصوصا أن هناك ما يكفي من الوقت لكل شخص للاسترخاء والتأمل والتفكير”.

لكن ما هو هدف هذا التغيير؟ علمنا التاريخ أن كل تجربة إنسانية، كما حدث في الحروب العالمية، رغم بشاعتها وفداحة نتائجها إلا أن أحد وجوهها هو تمكين الإنسان من أخذ زمام أموره بيده (بشكل نسبي طبعا) ولهذا يجب التعلم منها واستثمار نتائجها من أجل تحقيق السعادة الشخصية والاجتماعية للإنسان، ولكن ماذا نقصد بالسعادة؟ إذا أخذنا رأي بعض الفلاسفة نرى أن أرسطو، مثلا، يراها في ‘سد النواقص والتي تختلف من شخص إلى آخر‘، وهو كذلك يراها ‘فعلا معرفيا‘ ويتفق معه الفارابي في هذا الرأي ‘لذة عقلية وليست لذة حسية‘، أما ابن مسكوية فرأى أنها ‘ترتبط بالجسد والنفس في آن واحد‘، وغيرهم من الفلاسفة الذين يختلفون ويتفقون في هذا المفهوم”.

واعتقد أن أخطر تغيير من بين كل التغييرات ممكنة الحدوث في حياة كل واحد منا هو إعادة النظر في أفكارنا وقناعاتنا في ما يخص الأمور الأساسية والجوهرية التي تتطلبها سعادة الكائن البشري. وهذه المفاهيم مرتبطة لدينا بالدين، وغاياتنا من الحياة “أهداف الفرد والمجموع“، والحب.

من الواضح أن الدين يأتي على رأس القائمة، مفهومنا للدين والطقوس والأفكار المرتبطة به، بما في ذلك طبيعة علاقة الإنسان بخالقه، وبأخيه الإنسان وعلاقته بالطبيعة التي هي المصدر الأهم في استمرارية الحياة، سوف ينال النصيب الأوفر من التغيرات، لأن الكثير من الأفكار والمعتقدات الدينية في العالم الإسلامي بقيت دون مساس جوهري يذكر على مدى ألف عام أو يزيد، بل إنها تقهقرت عما حققته من اجتهادات تأويلية ونقدية بعد القرن الهجري الأول، وهذا مخالف لنواميس التاريخ البشري”.

وخلاصتي إلى التأكيد أن الحياة قبل جائحة كورونا لن تكون مثلها بعد تلك المصيبة، وأن ما سيحدث من تغييرات شخصية واجتماعية وسياسية سوف يكون الشغل الشاغل للباحثين والدارسين في العقود القادمة، هذا إذا ترك مجانين العصر للإنسان أن يستمر في بناء ذاته وحضارته، ولم يتصرفوا بغباء وطمع وأنانية ولم يدخلوا الإنسانية في حرب عسكرية مجنونة لا تبقي ولا تذر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى