من “بارميطة محترمة” إلى عاهرة
اضطرت إلى تقديم خدمات جنسية لتوفير لقمة العيش وإعالة والديها
ليلى (اسم مستعار)، ثلاثينية تشتغل “بارميطة” في إحدى العلب الليلية
بعين الذئاب بالبيضاء، وتحكي بمرارة عن اضطرارها للعمل في مجال الدعارة
خلال فترة الحجر الصحي، من أجل توفير لقمة العيش والتمكن من إعالة أسرتها
القاطنة بضواحي سطات، والمكونة من أخ عاطل ومدمن على الحشيش، ووالدين
مسنين.
لم تتخيل يوما أنها ستضطر إلى بيع جسدها مقابل 400 أو 500 درهم، بعد أن
كانت تجني ما يقارب 1000 درهم في الليلة بفضل عملها “بارميطة” في أحد أشهر
فضاءات السهر بالكورنيش، لكن رياح كورونا تجري بما لا تشتهي سفن
“الدراويش”، وتستمر في حصد ضحايا “قلة الحيلة” و”ضيق ذات اليد” يوما بعد
آخر.
وتقول ليلى، وهي تحاول جاهدة أن تخفي الحسرة والألم الباديين على وجهها،
“تلقينا خبر إغلاق الكاباريهات والملاهي الليلية بفعل الأزمة الصحية
كالصاعقة، إذ رفض مالك النادي ومسيره إمدادنا بأي معلومات حول مصيرنا،
لأنهما بدورهما يجهلان مصير الملهى الذي يديرانه”، مضيفة ” إنه قطاع حساس
تتسم قراراته بالغموض والإبهام، نظرا لخصوصية الدولة المسلمة، كما أن
القائمين عليه لا يقدرون عمل الطبقة الكادحة التي تشتغل وتضحي بشبابها
وصحتها من أجل العمل ليلا. راه تالهنا لهنا عاد بداو كيديرو الوراق لشي
وحدين من اللي خدامين فهاد الدومين، بحالي أنا، غير هو مانفعوني فوالو، من
غير 900 درهم التي اضطر الباطرون أن يعينني بها في الشهر الأول من الحجر،
ومن بعد مابقاش كايجاوبني فالتيليفون “. وتتابع الجميلة المطلقة، التي
انتقلت للعيش بالبيضاء في 2014 من أجل العمل خادمة لدى أسرة ميسورة بدوام
كامل، مقابل 2000 درهم في الشهر، “خدمت فالديور حتى عييت، وضربت تمارة ديال
بصح باش مندخلش على دارنا فلوس الحرام…. حينما دبرت لي إحدى صديقاتي عملا
في ناد ليلي، ترددت كثيرا، لكنني وافقت في نهاية الأمر لأن متطلبات أسرتي
صارت متزايدة، ولم أكن أستطيع توفير شيء من أجرتي المتدنية لشراء ملابس أو
الخروج رفقة أصدقائي”، مشيرة إلى أنها كانت معارضة لفكرة الدعارة ورفضت
العديد من العروض التي تلقتها من قبل “قوادات” حينما باشرت العمل “بارميطة
محترمة”، في 2018.
“تمكنت في وقت وجيز من كسب قاعدة مهمة من الزبائن الأوفياء والأصدقاء
المحترمين، الذين صاروا يترددون على النادي من أجلي فقط، ومنهم محامون
ومحاسبون وأساتذة وأمنيون، كايدورو معايا بـ100 درهم أو 200 أو كيعطيوني
بيرات كانربح فيهم نسبة معينة حيث كانبقا شادا معاهم الخاطر، لدرجة أنني
صرت أعرف قصة حياة كل واحد منهم بالتفصيل وأقترح حلولا لمشاكلهم، ولا أقول
ذلك تباهيا أو من فراغ، بل بناء على اعترفات لا يترددون في إخبار مسير
المحل بها، مشيدين بقدرتي على الإنصات وتحمل ترهاتهم دون الحاجة إلى شرب
الخمر على غرار باقي “البارميطات” اللي كايصرفوا داكشي اللي كايربحو
فالشراب”، تضيف ليلى وقد انفرج فمها بصعوبة عن ابتسامة فخر محتشمة.
وتستطرد محدثتنا كلامها قائلة “حينما أغلق المحل، اتصل بي العديد من زبناء
النادي ليسألوا عن أحوالي ويساعدوني بمبالغ مالية متواضعة. مر الشهر الأول
على خير، لكن مرض أبي اشتد في منتصف الشهر الثاني، واضطر للقيام بعملية
جراحية بالمسالك البولية كلفتني مصاريفها كافة مدخراتي، فوجدت نفسي مضطرة
إلى تقديم خدمات جنسية لزبائن أرسلتني لهم إحدى القوادات اللواتي تتعامل
معهن بعض زبوناتي في النادي. كنت أعود في كل مرة وأفرك جسدي جيدا بالصابون
وكأنه سيزيل عني الخطيئة التي قمت بها. شعرت بنفسي رخيصة وقذرة ودون كرامة.
كرهت نفسي وكنت أبكي وأصرخ كاتمة صوتي بالمخدة لساعات، دون مجيب. لم أرغب
يوما في الوصول لما وصلت إليه اليوم، لكن سيف الحاجة حاد وبتار، يقطع وصال
المرء مع كل مبادئه وقيمه، ويدفعه للقيام بأمور شنيعة لا يتصورها، خاصة
حينما تكون لديك مسؤولية”، مشيرة إلى أن أسرتها تجهل طبيعة عملها الحقيقي،
وتظن أنها مازالت تشتغل لدى أسرة ميسورة الحال، مع امتيازات مالية جراء
تكلفها برعاية طفل رزقت به.
يسرى عويفي