اسماعيل الحلوتي
مرة أخرى وكما هي عادته يأبى ملك البلاد محمد السادس إلا أن يعود من
جديد لمباغتتنا بمبادرة راقية وذات أبعاد إنسانية، تتمثل في دعوة أرباب
المقاولات المغربية إلى ضرورة تكثيف الجهود والعمل على القيام بإجراء
تشخيصات واسعة في صفوف المأجورين، من أجل ضمان سلامتهم الصحية عبر مجابهة
فيروس كورونا المستجد أو ما بات يطلق عليه “كوفيد 19” والحد من مخاطر
انتشارها بينهم.
وذلك وفق نفس العملية التي انخرطت فيها المؤسسات البنكية من خلال
القيام بتشخيص مكثف لمستخدميها منذ 16 ماي 2020 بشراكة بين وزارة الصحة
والمجموعة المهنية لبنوك المغرب، والتي أثمرت نتائج جيدة، تمثلت في اكتشاف
حالتي إصابة مؤكدة فقط من بين أكثر من 8 آلاف و100 اختبار.
ففي إطار الاستعدادات الجارية لإعادة تحريك عجلة الاقتصاد والخروج
التدريجي من الحجر الصحي، الذي سبق أن اتخذته السلطات العمومية ضمن
الإجراءات الاحترازية والوقائية، واستمر لأزيد من شهرين، وخلال تأهب
المقاولات لفتح أبوابها واستئناف أنشطتها على الوجه الأسلم، أعطى الملك
تعليماته لوزارة الصحة بوضع مواردها المادية والبشرية رهن إشارة الاتحاد
العام لمقاولات المغرب، قصد إطلاق حملة وطنية عاجلة للقيام بالفحوصات
اللازمة لجميع العاملين بالقطاع الخاص في أحسن الظروف، مع مراعاة عامل
الاختلاط والخصائص والإكراهات الصحية المرتبطة بأماكن العمل.
ويشار في هذا الصدد إلى أن وزارتي الصحة والداخلية كانتا قد شرعتا
قبل مدة في إجراء اختبارات على مواطنين بعدد من المصانع والأسواق فور
ظهورمجموعة من البؤر الوبائية، وذلك بغية الحيلولة دون انتشار العدوى إلى
فضاءات أخرى…
فيما تندرج المبادرة الملكية ضمن سلسلة من المبادرات الراقية التي
دأب على إطلاقها ملك البلاد، لتظهر بوضوح تام ما يوليه من عناية بالمواطنات
والمواطنين، وحرص دائم على ضمان صحتهم وسلامتهم، حيث أنه كان سباقا إلى
إصدار تعليماته للجهات المسؤولة بضرورة اتخاذ كافة التدابير الاحترازية
والاستباقية، الرامية في مجملها إلى محاصرة جائحة “كوفيد -19” فور ظهور أول
الحالات ببلادنا. إذ بادرت السلطات المغربية إلى تعليق الدراسة بالمؤسسات
التعليمية ابتداء من 16 مارس 2020 وتعويضها بعملية “التعليم عن بعد”،
وإغلاق المقاهي والمطاعم ودور السينما والقاعات الرياضية والترفيهية، ومنع
جميع أشكال التجمعات، وتعليق الرحلات الدولية مع باقي بلدان العالم، إعلان
حالة الطوارئ الصحية بكافة المدن والأقاليم، فرض الحجر الصحي وعدم السماح
بمغادرة البيوت إلا عند الحالات القصوى …
والأهم من ذلك أن هذه الخطوات الحكيمة والنظرة الاستشرافية التي
أشادت بها مختلف بلدان العالم والصحافة الدولية، توجت بإحداث صندوق تدبير
جائحة “كوفيد -19″ في 16 مارس 2020 وتشكيل لجنة اليقظة بتوجيهات ملكية، تم
تخصيصه للتكفل بالنفقات المرتبطة بتأهيل الآليات والوسائل الصحية، من خلال
توفير البنيات التحتية الملائمة أو المعدات والوسائل التي يتعين التعجيل
باقتنائها، لمباشرة علاج المصابين والتخفيف من معاناة القطاعات والأسر
المتضررة. إذ استفادت من الدعم المالي لمدة ثلاثة شهور حوالي خمسة ملايين
أسرة، تتراوح المبالغ ما بين 800 و1200 درهم أسرة: 300 ألف من أرباب الأسر
الفاقدين لأعمالهم الحرة المتوفرين على بطاقة راميد ومليونين من غير
المتوفرين عليها، ثم 2000 درهم بالنسبة ل”716” ألف من العمال والأجراء
المسجلين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي المتوقفين عن العمل مؤقتا.
فالتدخل الملكي السريع لم يولد من فراغ، بل جاء بفعل توالي انفجار
البؤر الوبائية بجميع الجهات، خاصة منها الدار البيضاء- سطات، مراكش- أسفي،
وطنجة- تطوان- الحسيمة. وهي البؤر المهنية المسجلة أثناء عملية تتبع الوضع
الوبائي ببلادنا، والتي غالبا ما لا يكون للمأجور يد فيها، حيث تبين في
أكثر من مناسبة أن أسبابها تعود بالأساس لغياب تدابير حفظ الصحة والسلامة
والوقاية من مخاطر الشغل في الوحدات الصناعية، سيما في هذه الظروف
الاستثنائية التي انتشر فيها الوباء الفتاك.
إذ بالرغم من إصدار وزارة الصحة منذ بداية الأزمة الصحية بلاغا
بشأنها، يدعو كافة المشغلين إلى ضرورة توخي الحيطة والحذر، واتخاذ جملة من
الإجراءات الاحترازية والوقائية والسهر على احترامها، مثل قياس الحرارة عند
ولوج المقاولة وإجراءات أخرى تمت إعادة التذكير بها في بلاغ مشترك بين
وزارة الصحة ووزارة الصناعة ووزارة الشغل بتاريخ 16 أبريل 2020، يحث أرباب
ومسيري المقاولات والوحدات الصناعية والإنتاجية على تعزيز التدابير
الوقائية والاحترازية…
فإن عدد من هؤلاء المشغلين لم يتعاملوا مع هذه الجائحة بكامل
الجدية والصرامة الضروريتين، حيث لم يتم التقيد بالتعليمات الصادرة من لدن
السلطات المعنية على عدة مستويات، منها عدم تقدير المخاطر المهنية بما
يتطلب الوضع من اهتمام بنظافة أماكن العمل، وحرص على حسن استخدام الأجهزة
المعدة للوقاية والسهر على صيانتها والحفاظ على بيئة المقاولة ومحيطها،
والالتزام باحترام التباعد الاجتماعي بين الأجراء واستعمال الكمامات
الواقية وتقليص أعدادهم في العمل وعلى وسائل النقل الخاصة، فضلا عن غياب
لجن السلامة وحفظ الصحة…
إن قوة المبادرات الملكية الرائدة، تكمن في كونها تتميز بالطابع
الصحي والاجتماعي والإنساني والاقتصادي والاستشرافي، وبما تتمتع به من
ديمومة وتنوع وسرعة في التنفيذ، إذ بفضلها استطاع المغرب رفع العديد من
التحديات وتحقيق سلسلة من النجاحات، كما هو الشأن اليوم بالنسبة لمواجهة
المرحلة الحرجة الناجمة عن جائحة “كوفيد -19″، التي تمكنا من تجاوزها بأقل
الأضرار …