صادق مجلس الحكومة في اجتماعه المنعقد بتاريخ 19 مارس 2020 على مشروع
القانون رقم 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث
المفتوح والشبكات المماثلة، وأحاله على لجنة تقنية لاعتماد بعض الملاحظات.
وهو مشروع يضيق مساحات الحرية في فضاءات وسائل التواصل الاجتماعي.
وبعد مرور أزيد من شهر، تسربت مسودة المشروع إلى الرأي العام الذي فوجئ بمضمونه. وهو اليوم محط نقاش واسع.
وإذ
نشارك بهذا الرأي، فإن الأمر لا يتعلق بدراسة فقهية لمضامين المشروع، فذلك
سابق لأوانه ونتمنى ألا نصل إليه، وإنما يتعلق ببعض الملاحظات
والاستنتاجات العامة.
وهكذا يمكن ملاحظة أن:
أولا: الحكومة
تعاملت بتكتم شديد في التعاطي مع المشروع، فلا هي نشرته على بوابتها، ولا
هي طرحته للنقاش العام، ولا حتى استشارت بشأنه المؤسسات ذات الصلة (حسب ما
هو معلوم إلى حد الآن)، وعندما تم تسريب المسودة، بغض النظر عمن قام بذلك
ومصلحته فيه، سارع بعض الوزراء وبعض الفعاليات القريبة منهم إلى تقديم بعض
التبريرات والتأويلات التي لن تزيد الأمر إلى تعقيدا.
ثانيا:
القراءة الأولية لمسودة المشروع، بما فيه مذكرته التقديمية، تبين أنه تضمن
مقتضيات وتفاصيل كثيرة، وأنه تم الاشتغال عليه على مهل، وذلك على خلاف بعض
القوانين التي صدرت في السنوات الأخيرة مشوبة بكثير من العيوب، وخاصة على
مستوى صياغتها الركيكة.
وإذا أضفنا إلى ذلك كونه طرح لمصادقة مجلس
الحكومة بتاريخ 19 مارس 2020، أي في المراحل الأولى لحالة الطوارئ الصحية،
فإنه يبدو أن هذا المشروع قد هيئ منذ مدة ولكن كان ينتظر الفرصة المناسبة
لتمريره، وحصل الاعتقاد بأن زمن كرونا هو الزمن المناسب لذلك لاعتبارات
كثيرة.
ثالثا: علاقة بمسألة الزمن لا يبدو من الناحية القانونية أن
هناك حاجة ملحة اليوم بالذات تدعو إلى تقنين التعامل مع وسائل التواصل
الاجتماعي حتى يتم التسريع بالمشروع في هذه الظروف التي لا يجتمع فيها
البرلمان بشكل عاد (فقط رؤساء الفرق والمجموعات وعضوين من كل فريق).
ليس
هناك داع للاستعجال لأن المقتضيات القانونية الموجودة كافية في هذه اللحظة
للتعاطي مع وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة نشر الأخبار الزائفة، والدليل
على ذلك محاكمة عدد من الأشخاص وإدانتهم على ما ارتكبوه، فالفراغ غير
موجود. وحتى إذا وجد، فإن من مهام القضاء سد ذلك الفراغ بتفسير النصوص
وتأويلها طبقا لقواعد التفسير ومع احترام عدد من المبادئ المعروفة (احترام
مبدأ الشرعية، عدم التوسع، عدم القياس…)، وهو ما تم اعتماده فعلا في هذه
المرحلة، علما أن هناك مشاريع قوانين مهمة موضوعة على الرف منذ سنوات
(قانون المسطرة المدنية، قانون الدفع بعدم الدستورية…).
إذن ما الداعي إلى التسريع بالمشروع؟
إن
الزمن الذي نعيشه ليس فقط زمن وباء كرونا، بل هو أيضا زمن الاستعداد
للاستحقاقات الانتخابية، وبالتالي فهو زمن الحملات والحملات المضادة لضرب
المصالح السياسية والاقتصادية، التي تبين أن وسائل التواصل الاجتماعي تلعب
فيها دورا كبيرا، وأنها يمكن أن تعتمد في لحظة معينة لقلب الموازين، ولا شك
أن قراءة التجارب السابقة جعلت بعض الأطراف تتحسب للأمر فلجأت، مع الأسف،
إلى تعديل القانون لسد هذا الباب وتهييئ المرحلة المقبلة بهدوء.
إذن، في ضوء هذه الملاحظات الأولية يمكن أن نستنتج:
أن
اعتماد هذا المشروع بما تضمنه من تضييق على الحريات ومحاولة تنزيل
مقتضياته، هو معاكس تماما لمضامين دستور 2011، وخاصة بابه الثاني المتعلق
بالحريات والحقوق الأساسية؛ إذ ينبغي تعديل القوانين الموجودة وإصدار
قوانين جديدة توسع مساحة الحرية لتطابق أو على الأقل تقارب المساحة التي
خلقها دستور 2011، وليس العكس.
إن اللجوء إلى التجريم والعقاب في
مجال الحريات، بل واللجوء إلى القانون ككل للتعاطي مع قضايا مجتمعية حساسة،
لا يزيد الأمر إلى تعقيدا. وإن الدول التي انخفضت فيها نسب الجريمة بشكل
كبير وأغلقت كثيرا من السجون لم تعتمد التجريم والعقاب، بل اعتمدت أكثر على
سياسات عمومية وقائية تعيد الاعتبار للثقافة ونشر القيم عبر آليات ومؤسسات
في مقدمتها المدرسة، إن كل ذلك لا يتم إلا في الفضاء الواسع للحريات.
إن
القانون، وهو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، يلجأ إليه في الأصل للرقي بسلوك
الأفراد والسمو بمكانة الأمة، ولتقنين الصراع، وليس لتصفية الحسابات أو
تدبير مرحلة ما. ولذلك، فإنه يوضع بقواعد عامة ومجردة وملزمة للجميع، يوضع
للناس كافة وليس لمصلحة هذا الشخص أو هذه الفئة، ويوضع بتمهل وروية وليس
على عجل. ويستحب أن يوضع في ظروف عادية. ولذلك تتجنب الدول وضع القوانين في
حالات الطوارئ والاضطرابات، وحتى تنظيم هذه الحالات يكون قبل حصولها.
لا
توجد مصلحة وطنية في إخراج هذا المشروع في هذه الظرفية المتسمة بإجماع مهم
بين مكونات الشعب ومؤسسات الدولة حول منهجية مواجهة الوباء الذي لم تستطع
الصمود أمامه دول أخرى كثيرة وكبيرة، وإن طرح المشروع قد يحرف الاهتمام
ويخلق الفرقة ويصرف الناس عن متابعة الاهتمام بمواجهة الوباء. وإن طرحه قد
يوحي بأن هناك من يريد استغلال الظرفية.
كما أنه قد يمس بمنسوب
الاحترام الذي حظي به المغرب دوليا في منهجية تعاطيه مع وباء كرونا، أو في
قضايا دولية أخرى بذل مجهودا كبيرا فيها، وإن كان من المثير في هذا المشروع
أن مذكرته التقديمية نصت على أنه يأتي لملاءمة المغرب قوانينه الوطنية مع
المعايير والترسانة الدولية !!
إذن، من خلال هذه الملاحظات وغيرها
يبدو أنه لا مصلحة وطنية في اعتماد هذا المشروع لا في الآن ولا في
المستقبل، وإن التعاطي مع ما يتداول في وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة ما
تعلق بحماية الحياة الخاصة والأخبار الزائفة، يمكن تنظيمه لاحقا وفي الظروف
المجتمعية العادية.