Uncategorized
كلمة السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض بمناسبة افتتاح السنة القضائية 2020
خليفة مزضوضي / مراكش
في إطار الرعاية الملكية السامية الموصولة التي تحظى بها أسرة القضاء من قبل صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، وبإذن سامي من جلالته، افتتح الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، السنة القضائية الجديدة تحت شعار ” العدل أساس التنمية الشاملة ” وذلك اليوم الأربعاء 22 يناير 2020 على الساعة الحادية عشرة صباحا بالقاعة الكبرى لمحكمة النقض .
وتعتبر هذه الجلسة الرسمية تقليدا قضائيا راسخا يتولى من خلاله الرئيس المنتدب عرض حصيلة السنة القضائية المنصرمة، إبراز الجهود المبذولة لتكريس آليات الحكامة الجيدة وتحقيق الأمن القضائي، كما تشكل فرصة للتقييم الموضوعي لدرجة النجاعة والمردودية ومستوى الخدمات القضائية ومناسبة لإبراز الأهداف الإستراتيجية والمشاريع المستقبلية من أجل الوصول إلى قضاء قريب من المواطن وفي خدمته.
ويأتي افتتاح هذه السنة في سياق الالتزام بالتفعيل الجاد والمسؤول للمضامين الحقوقية المتقدمة التي جاءت بها الوثيقة الدستورية وتسريع وتيرة الأوراش والإصلاحات الكبرى من أجل تكريس دولة الحق والمؤسسات في إطار من المواطنة والكرامة والوحدة والسيادة.
وفيما يلي نص كلمة السيد الرئيس المنتدب بمناسبة افتتاح السنة القضائية 2020
بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى أهله وصحبه أجمعين؛
باسم جلالة الملك؛
أعلن عن افتتاح هذه الجلسة الرسمية؛
الحضور الكريم كل باسمه وصفته والتقدير والاحترام الواجب له؛
بإذن مولوي سام لصاحب الجلالة الملك محمد السادس رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية دام له العز والتمكين، نعقد هذه الجلسة الرسمية لنفتتح السنة القضائية الجديدة.
افتتاح بمشاعر الفخر والاعتزاز والتقدير والعرفان بهذه الرعاية الملكية السامية والعناية الكريمة الموصولة.
إذن مولوي يعبر بجلاء عن حرص جلالته الدائم على تخويل أسرة القضاء المكانة اللائقة بها وضمان استقلالها وتكريس تقاليدها الأصيلة الممتدة عبر تاريخ المغرب العريق .
عناية ملكية، قوية في رمزيتها ودلالاتها، عميقة في معانيها وأبعادها، نرفع معها آيات الوفاء والإخلاص للسدة العالية بالله راجين من العلي القدير أن يلهمنا سبل السداد والرشاد ويقيض لنا أسباب النجاح والفلاح وأن يحفظ ملكنا الهمام قائدا وملهما ومرشدا وأن يكلؤه بعينه التي لا تنام إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ضيوفنا الكرام؛
لقد ازداد وهج هذا التقليد القضائي الأصيل بهذه المشاركة الوازنة والمتميزة لنخبة من المسؤولين الأفاضل الذين أبوا إلا أن يعبروا من خلال حضورهم المسؤول عن عظيم اعتبارهم لرسالة القضاء وتقديرهم لجهود وتضحيات سدنة الحق وحماة العدالة قاضيات وقضاة المغرب الأفذاذ.
رسالة ثقة منكم أصحاب المعالي والسعادة تلزمنا بجزيل الشكر وعظيم الثناء على هذا الاهتمام والتشريف.
السيدات والسادة الأفاضل؛
سنة 2019 كانت محطة جديدة في مسار التأسيس والبناء المؤسساتي والقيمي للسلطة القضائية في خضم دينامية الإصلاح والأوراش التنموية الكبرى التي تعرفها بلادنا.
سنة، كنا مطالبين فيها برفع وتيرة إيقاع هذا العمل الوطني الجاد ليكون في مستوى الانتظارات والتحديات المتعددة من خلال رؤية استراتيجية مندمجة شمولية وفق أهداف وأولويات محددة وقيم ورسالة واضحة مرتكزة على التوجهات الملكية السامية ونص الدستور وروحه وعلى المكتسبات الإصلاحية المتعددة التي راكمتها بلادنا على امتداد السنوات السابقة.
سنة، لتكريس الثقة والمساهمة في بناء علاقات مسؤولة واضحة مع باقي السلط وتحديد مجالات التعاون وتدبير التوازن بينها بما يكفل استقلالا حقيقيا للسلطة القضائية في بعديه الفردي والمؤسساتي.
استقلال لم يكن أبدا غاية أو هدفا بل ركيزة لضمان الحقوق وصون الحريات ورد المظالم ومكافحة الفساد وتحقيق الأمن القضائي والمساهمة في بناء المغرب الجديد في سياق عالم متحول بقيم وعلاقات معقدة متغيرة متسارعة.
مغرب الحرية والكرامة والمساواة والمواطنة ومغرب التنمية الشاملة، مغرب النموذج والتميز، مغرب محمد السادس.
الحضور الكريم؛
لا يخفى عليكم أن نجاح مشاريع مجتمعية كبرى كهاته يتطلب الكثير من الجرأة والحكامة لوضع الأسس الصحيحة وإرساء الممارسات الفضلى على أرضية صلبة وبخطى ثابتة.
إن التحدي الذي كان أمامنا هو البناء في العمق ومواجهة الإكراهات بكل واقعية وتغيير العقليات بكل صبر والتوجه نحو المستقبل بفكر خلاق مبدع ومبادرات استباقية جادة ونفس تشاركي حقيقي ومقاربات شفافة وتدبير ناجع يستثمر الفرص المتاحة ويغلق منافذ الخطأ والإهمال والتقصير.
وهنا لا بد أن أثمن روح التعاون والإرادة الجادة التي عبرت عنها مختلف السلطات والمؤسسات الوطنية والدولية من أجل إنجاح هذه التجربة المتفردة على مختلف المستويات.
وأخص هنا بالشكر والثناء السيد وزير العدل الذي نجدد له تهانينا الصادقة واعتزازنا الكبير بما عبر عنه من عزم أكيد وعمل جاد من أجل تخويل السلطة القضائية المكانة اللائقة بها وما ذاك بالغريب عن شخصية وطنية مسؤولة من طينة الأستاذ محمد بن عبد القادر.
مع تقديرنا لمجهودات السيد الكاتب العام وكل السادة المديرين المركزين بوزارة العدل الذين يساهمون في بناء هذا الورش الإصلاحي الكبير بكل مسؤولية والتزام.
والشكر والتقدير للأخ العزيز السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة الأستاذ محمد عبد النباوي وكل الفريق العاملين معه من السيد الكاتب العام ورؤساء الأقطاب لما عبروا عنه من دينامية وإرادة حقيقة من أجل تكريس دعائم سلطة قضائية قوية مستقلة ناجعة.
كما أن واجب العرفان يلزمنا أن نشد بحرارة على أيدي كل السيدات والسادة الأفاضل أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية وجميع العاملين بهياكله من رؤساء أقطاب وشعب ووحدات وقضاة وأطر وموظفين بمختلف مسؤولياتهم ومناصبهم على ما أبدوه طيلة السنة المنصرمة من تفان وتضحية وعمل دؤوب متواصل بروح الفريق الواحد الموحد، مع تنويه خاص بالسيد الأمين العام للمجلس والسيد المفتش العام فلهم جزيل الشكر وعظيم الثناء.
والأكيد أن كل ما سيتم تقديمه اليوم من معطيات وأرقام وحصيلة، ستبقى مجرد مؤشرات أولية محدودة لن تعبر عن حقيقة حجم الجهد الذي بذلوه ولا التضحيات الكبرى التي لم يدخروها في سبيل إنجاح عدد من الأوراش المتعددة المتوازية المتكاملة التي سأعرض عليكم بعضا من تفاصيلها وجزئياتها كالآتي:
أولا: ورش الهيكلة والحكامة المؤسساتية.
استكمالا للتأسيس الهيكلي حرص المجلس على إعداد مخطط استراتيجي للموارد البشرية سواء على مستوى استقطاب الأطر والكفاءات أو على مستوى تكوينها وتأهيلها والرفع من قدراتها وتدبير شؤونها الإدارية وتتبع مساراتها الوظيفية.
وفي هذا السياق تم انتقاء وتعيين رؤساء للوحدات بالأمانة العامة وأقطاب المجلس من بين 210 مرشحا، نسبة مهمة منهم موظفون من قطاعات مختلفة مما يبرز المقاربة المنفتحة للمجلس المرتكزة على معايير الكفاءة والخبرة والشفافية والنجاعة.
كما تم اعتماد مجموعة من التدابير والإجراءات لتنظيم المباريات سواء على المستوى الإداري أو المالي أو المعلوماتي بمناسبة توظيف 26 محافظا قضائيا من الدرجة الثانية و18 مهندس دولة من الدرجة الأولى و5 أمناء قضائيين من الدرجة الثالثة.
وهو ما سيعزز هيكلة المجلس ويساعد في دعم مجهوداته من أجل الانخراط في ورش التحديث وتطوير الخدمات القضائية الالكترونية وتجويدها وملائمتها مع المتغيرات الوطنية والدولية في مجال العدالة الرقمية التي نعتبرها من التحديات الأساسية التي يجب كسب رهانها.
والأكيد أن انسجام هذا الجيل الجديد من القضاة والأطر والموظفين وانصهارهم ضمن بوثقة هياكل المجلس تطلب منا مجهودا كبيرا حيث سهرنا على توفير عدة تكوينات لهم سواء على المستوى النظري أو الميداني من أجل تأهيلهم وخلق دينامية جديدة مؤطرة بقيم الأسرة الموحدة.
كما شهدت سنة 2019 إعطاء الانطلاقة لإتفاقية التوأمة مع المجلس الأعلى البلجيكي ضمن برنامج الدعم الأوروبي للعدالة ببلادنا مستهدفين من ذلك بناء ممارسات فضلى لعمل المجلس خاصة في مجال تقوية القدرات والتكوين وتعزيز آليات النجاعة وضمان الاستقلال الإداري والمالي وتكريس قيم التواصل والتحسيس.
وهي كلها محاور عمل هامة ضمن ورش الهيكلة والتأسيس الذي نوليه عناية كبرى ويتطلب الكثير من الجهد والحكمة والصبر إيمانا منا بأن البناء على أسس صحيحة وأرضية صلبة يبقى هو مفتاح النجاح وعماد كل مشروع إصلاحي مجتمعي كبير من حجم ومستوى مشروع إصلاح العدالة.
مشروع يجب أن نساهم فيه جميعا كل من موقعه وفق مقاربة تشاركية حقيقية بكل وطنية وضمير وجرأة وإبداع وتجاوز كل الأفكار السلبية والرؤية الأحادية الضيقة .
إننا أمام مسؤولية وطنية وتحدي دولي
إننا أمام قسم عظيم وأمانة كبرى
وجني ثمار المستقبل يغرس ويؤسس له اليوم
ثانيا: ورش تكريس الضمانات وتطبيق المعايير.
لا شك أن تكريس استقلال السلطة القضائية في بعده الفردي يرتكز في العديد من مداخله على تكريس الضمانات الدستورية والقانونية المخولة لفائدة القضاة وتتبع مساراتهم المهنية وتدبير ملفاتهم الإدارية وتلقي شكاياتهم وتظلماتهم بفعالية وحرص ومسؤولية.
وقد تميزت سنة 2019، بنشاط مكثف للمجلس من خلال عقد العديد من الاجتماعات وقضاء الساعات الطوال من أجل تحضير أعمال الدورتين العاديتين لشهري يناير وشتنبر وإعداد مختلف مشاريع القرارات والمقررات المنبثقة عنها والسهر على تنفيذها.
وفي هذا السياق لا بد من التذكير بكل اعتزاز بالنتائج المتميزة التي تم تحقيقها في هذا المجال حيث أقدم المجلس على تعيين 72 مسؤولا قضائيا من رؤساء أولين ووكلاء عامين ورؤساء محاكم ووكلاء للملك بمناصب جديدة بعد استيفائهم لكافة الشروط أي بتعديل يصل إلى 33%، فضلا عن تعيين نوابا للمسؤولين القضائيين قصد دعم عملهم المتشعب وخلق نواة لخلف مؤهل لتحمل المسؤولية في المستقبل.
تعيينات تمت وفق معايير الشفافية والكفاءة وتكافؤ الفرص والمناصفة من أجل خلق دينامية جديدة للعمل بالمحاكم والتعبير عن الإرادة الحقيقية الجادة في مواكبة ورش الإصلاح وتفعيله من خلال وضع المسؤول المناسب في المنصب المناسب.
وهنا لا بد أن أؤكد مجددا للسيدات والسادة المسؤولين القضائيين بمختلف محاكم المملكة، إن المسؤولية التزام، المسؤولية إبداع ومبادرة، فاجعلوا محاكمكم نماذج لإدارة قضائية ناجعة وفضاءات لإنتاج عدالة سريعة متطورة.
محاكم لا المجال فيها اليوم للتساهل مع المستهترين والسماسرة المتاجرين بمشاكل المواطنين وهمومهم.
لن احتاج إلى تذكيركم بأن الولوج إلى المحاكم له ضوابط وقواعد يجب احترامها بكل جدية ومسؤولية.
فصونوا حرمة المحاكم وهيبة العاملين بها من خلال التزامكم بقيمكم الأخلاقية وواجباتكم القانونية وستجدون في المجلس الأعلى كل الدعم والسند لمكافحة جميع مظاهر الفساد ومواجهة كل منافذ الاختلال والتسيب.
السيدات والسادة الأفاضل؛
إن عنايتنا بمؤسسة المسؤول القضائي كقائد لفريق العمل بدائرته القضائية يوازيه حرصنا على دعم المحاكم بجيل جديد من القضاة كله طموح ودينامية وإرادة من أجل أداء هذه الأمانة بكل جدية وتميز.
وفي هذا الإطار قام المجلس سنة 2019 بضخ دماء جديدة من خلال تعيين 160 من القضاة الجدد المنتمين للفوج 42 بمختلف محاكم المملكة.
فوج ساهم قضاتنا في انتقائهم وتكوينهم وتدريبهم على امتداد سنتين كما حرصنا على تتبع استقرارهم بدوائرهم من خلال الكتاب الذي وجهناه لكافة المسؤولين قصد إيلائهم عناية خاصة تيسر اندماجهم في محيطهم السوسيو مهني الجديد .
وهنا لا بد أن أؤكد لكل مكونات الجيل القضائي من شباب المغرب الجديد أن مغرب الغد يحتاج إلى القاضي بكل ما تحمله هذه الكلمة من دلالات وحمولات، فاحرصوا على رمزية بذلتكم وقدسية القسم الذي أديتموه وحافظوا على القيم الأصيلة التي بناها جيل بعد جيل بكثير من التضحية والعطاء.
الحضور الكريم؛
حسن تدبير العمل القضائي بالمحاكم تطلب منا سنة 2019 اتخاذ 874 قرارا بتعيين القضاة بمهام التحقيق والأحداث وتطبيق العقوبة والتوثيق وشؤون القاصرين وقضاء الأسرة، فضلا عن 40 قرار بالانتداب وتعيين قاضيين عبريين وتسعة (9) قضاة بالمحكمة العسكرية كما قمنا بتحديد (326) من المناصب القضائية للقضاة بعد ترقيتهم وتمت الاستجابة ل341 طلب انتقال هي أرقام هامة جدا تعكس تفاعلنا الإيجابي مع أوضاع القضاة وتحسين ظروف اشتغالهم كما أنها تعبر عن حرصنا الكبير على سد كل المنافذ التي قد تؤثر على الأداء القضائي وفعاليته وجودته.
السيدات والسادة الأفاضل؛
إن كل قرار من هاته القرارات يختزل ساعات طويلة من التحليل والتفكير وعددا من التدابير الإدارية والمعلوماتية من أجل المزاوجة بين مبدأ تكريس الضمانات الفردية للقضاة وضمان السير السليم المنطقي لعمل المحاكم خدمة العدالة ببلادنا.
ثالثا : ورش التخليق.
سنة 2019، كانت مرحلة اختبار حقيقي جديدة من أجل إعطاء دينامية قوية لهذا الورش الإصلاحي الهام من خلال مقاربة موضوعية تستهدف تكريس الثقة وتشجيع الكفاءات والتصدي لكل الإخلالات والتجاوزات ربطا للمسؤولية بالمحاسبة وفتح آفاق للعطاء والتقدم والتطوير.
وفي هذا السياق، فقد حرصنا على جعل معايير الأخلاق والسلوك المهني المتميز كمرجعيات أساسية عند تعيين المسؤولين القضائيين، كما عمدنا إلى ترقية عدد هام من القضاة في مختلف الدرجات والرتب، وراسلنا السلطات الحكومية المعنية من أجل التفعيل السريع الأمثل للمراسيم المتعلقة بتعويضات القضاة وتحسين ظروفهم المادية والاجتماعية باعتبار ذلك مدخلا أساسيا متوافق عليه دوليا للتحصين وللتكريس الفعلي لاستقلال والتخليق.
ومن جهة أخرى عملنا على تجويد الصيغة النهائية لمشروع مدونة الأخلاقيات المهنية من خلال برمجتنا لورشات عمل هامة مع المجلس الأعلى للقضاء البلجيكي ومع باقي شركائنا الدوليين من أجل تكريس الممارسات الفضلى خاصة في مجال حرية التعبير واستعمال شبكات التواصل الاجتماعي في علاقتها بواجب التحفظ.
مدونة سلوك ستكون بكل تأكيد من الآليات الأساسية التي ستضبط الممارسة المهنية و تجعلها أكثر نجاعة وشفافية ومسؤولية.
هذه التدابير عززناها بعدد من آليات المراقبة والتقويم والتفتيش والتأديب بحيث قامت المتفشية العامة بتشخيص عام وآخر قطاعي لوضعية عدد من الدوائر القضائية وتقييم مستوى أدائها و مرد وديتها.
كما قامت بناء على تكليف من المجلس ب97 بحثا و تحريا إضافة إلى التفتيش القضائي اللامركزي الذي أنجز بشأنه 87 تقريرا .
وهنا لا بد أن أنوه بالمبادرات الإيجابية التي قام بها بعض الرؤساء الأولين لمحاكم الاستئناف من خلال زياراتهم التفقدية المفاجئة غير المبرمجة للوقوف عن كثب على سير العمل بالمحاكم الابتدائية التابعة لدوائر نفوذهم وإبداء ملاحظاتهم وتوجيهاتهم من أجل التفعيل الأمثل لمشروع الإصلاح الذين هم مؤتمنون عليه.
السيدات والسادة الأفاضل؛
لقد حرص المجلس على أن تمر المتابعات التأديبية في إطار الضمانات القانونية والحقوقية التي تزاوج بين المحاسبة والتأطير والتخليق والتقويم، متابعات تأديبية صدرت بشأنها سنة 2019 قرارات تراوحت بين عقوبة العزل والإقصاء المؤقت والإنذار والتوبيخ.
كما تلقى المجلس عددا من الشكايات التي كانت في أغلبها ذات صبغة عامة تهم مختلف المهن المرتبطة بعمل المحاكم، وتم استقبال مجموعة من المشتكين والاستماع إلى مضامين وأوجه تشكيهم حيث تمت دراستها ومعالجتها باتخاذ الإجراءات المناسبة بشأنها.
وهنا لا بد أن نسجل انخفاض عدد هذه الشكايات مقارنة بسنة 2018، فضلا عن أن عددا هاما منها سبق لنا الجواب عنه أو وجهت إلى جهة غير مختصة أو تنقصها المعلومات والوثائق.
ويجب التذكير بكل حزم، أن المجلس بقدر حرصه على تكريس قواعد المحاسبة والمسؤولية فإنه سيتصدى بنفس الجدية لكل الشكايات الكيدية التي تستهدف فقط التشهير أو التشويش أو التأثير على حياد القضاة واستقلاليتهم.
لابد من الإقرار للأسف الشديد أننا بدأنا نرصد العديد من المواقف والممارسات التي تنحو في هذا الاتجاه والتي يجب علينا أن نواجهها جميعا كسلط ومؤسسات وهيئات وفعاليات حقوقية ومدنية وجمعوية وإعلامية.
إن الدفاع عن استقلال القاضي وكرامته وإن كان واجبا فرديا على القضاة و يدخل ضمن صميم عمل المجلس الأعلى كمؤسسة فإنه في المقام الأول حق للجميع و مكسب له يجب الذوذ عنه والحفاظ عليه من كل المؤثرات.
لابد أن يدرك الجميع أنه لا تساهل مع من يسئ إلى صورة القضاء أو يطبع مع الفساد.
اليوم نريد سلطة تكون حصنا قويا، تتفاعل بضمير مع التوجهات السامية لجلالة الملك من أجل صون المكتسبات.
سلطة، تساهم في تخليق الحياة العامة وحماية ثقة المتقاضين.
رابعا: ورش التواصل.
وهو من المحاور التي نوليها عناية كبرى كأسلوب حكامة وكآلية لدعم الحوار المجتمعي إيمانا منا بأن العدالة شأن جماعي ومسؤولية وطنية.
وفي هذا السياق فقد ركزنا سنة 2019 على عدد من الواجهات والأولويات حيث عقدنا من جهة أولى عددا من اللقاءات التواصلية داخل هياكل المجلس لخلق دينامية الفريق ووضع قواعد للعمل وتكريس قيم المؤسسة.
ومن جهة أخرى فقد واصلت مؤسسة الرئاسة عقد لقاءات مع المسؤولين القضائيين وهيئات و نقابات المحامين و الجمعيات المهنية القضائية و نقابات كتابة الضبط وهيئات العدول والموثقين في جو من المسؤولية و الحوار البناء لتدارس مختلف الإشكالات المهنية وتوحيد الرؤى لإيجاد حلول واقعية تطور منظومتنا القضائية.
وهنا لابد من التأكيد على أن الإصلاح الحقيقي يقتضي التجرد التام من الفئوية وفكر الإقصاء والحسابات الضيقة وتغيير العقليات السلبية. والابتعاد عن الميولات والانتماءات والمزايدات.
إن القاضي لا يعلن إلا نتيجة عمل الآخرين، وعلى جميع المكونات العمل بروح الفريق من أجل نفس القيم والأهداف والرسالة.
كما شكلت السنة الماضية فرصة هامة للمشاركة في العديد من اللقاءات التواصلية آخرها اللقاء الهام المتميز ببيت الصحافة بطنجة مع مختلف وسائل الإعلام، فضلا عن اللقاءات المثمرة مع عدد من فعاليات المجتمع الحقوقي والمدني والمؤسسات الجامعية الوطنية والدولية والتي يتعذر في هذه الكلمة حصر تفاصليها وجزئياتها.
كما شكل المعرض الدولي للكتاب حدثا تواصليا غير مسبوق مع الجمهور من خلال لقاءات مباشرة بين نخبة من قضاة محكمة النقض وعموم المواطنين تمت مواكبتها بالبث المباشر ونقلت أطوارها عبر عدد من المواقع و الدعامات الإعلامية.
وهي كلها تراكمات تنضاف إلى الجهود التي بذلناها سنة 2019 من أجل تطوير موقعنا الالكتروني شكلا وخدماتيا ليستجيب لانتظارات الجميع من أجل التواصل والتحسيس.
ونحن عازمون هذه السنة بفضل الله و عونه على مواصلة تطوير هذا الورش من خلال عدد من الآليات الجديدة التي تستهدف أكبر عدد من الشرائح والفئات والمؤسسات وكذا دعم مهارات المسؤولين القضائيين من أجل تكوين جيل جديد من قضاة التواصل وإعداد دلائل تعريفية و توثيقية تساهم في انخراط الجميع في هذا الورش الكبير.
إن العالم اليوم يعرف ثورة كبرى متسارعة في مجال التواصل وتقنيات المعلومات ولم يعد ممكنا مواجهة هذه التحديات إلا بتطوير آليات التواصل و تجويد مضمونه وتحصينه بالضوابط القانونية و الأخلاقية اللازمة.
خامسا:ورش التكوين .
لقد أولى المجلس الأعلى للسلطة القضائية أهميـة كبـرى لموضـوع تأهيـل المـوارد البشرية والنهوض بالتكوين التأهيلي والتكوين المتخصـص والتكـوين المسـتمر ضمن مخططه الاستراتيجي.
حيث تم وضـع مقاربـــة جديـــدة في هذا المجال مبنية على أسس علمية ومنهجية تشاركية قوامـــها التخطـــيط، وتحديـــد الحاجيات الحقيقية للفئات المستهدفة، ووضع برامج للتكوين المتخصص، والإعـدادي مع الاهتمـام بـالتكوين الجهــوي والتكــوين عــن بعــد، وإيلاء أهمية قصوى للتخليق والتقاليـد القضـائية الراسخة، وكـل ذلـك موازاة مـع عمليـتي التتبع والتقيـيم لهذه البـرامج لضــمان جودتها ونجاعتها.
جودة ونجاعة حرصنا على توفير شروطهما البيداغوجية واللوجيستيكية مع تحديد اللأولويات والحاجيات الحقيقية وفق السياق العام لمنظومة إصلاح العدالة والأوراش المهيكلة لعمل المجلس بمختلف مكوناته.
وقد استفاد هذه السنة 30 مسؤولا قضائيا بالمحاكم الابتدائية، و257 قاضيا مكلفا بالتحقيق و67 قاضيا في جرائم الاتجار بالبشر، و20 قاضيا في قضايا جرائم الأموال، و25 قاضيا في مخالفات قانون السير، و20 قاضيا في جرائم الفساد وحماية المال العام، و15 قاضيا في جرائم المخدرات و26 محافظا قضائيا و5 أمناء.
هذا فضلا عن الدورات التكوينية لفائدة القضاة في إطار برامج التعاون الدولي وبرامج التكوين المعدة من طرف المكاتب الجهوية للمنظمات الدولية وبرامج التدريب في إطار مراكز البحث والكليات ومدارس التكوين والمندوبيات والشبكات القانونية.
سادسا:ورش تثمين الرأسمال البشري للسلطة القضائية.
إسهاما من المجلس الأعلى في تعزيز الحكامة المؤسساتية العمومية فقد بادر إلى تعيين قضاة لرئاسة أو عضوية عدد من المجالس والهيئات الوطنية والدولية والمشاركة في اللجان المكلفة بامتحانات الأهلية لمزاولة المحاماة والملحقين القضائيين فضلا عن القضاة الملحقين بعدد من الوزارات والسفارات والمؤسسات الوطنية.
كما أنه إثراءا للحقل المعرفي القانوني والمهني ونشر ثقافة قضائية حقوقية فقد أتاح المجلس مجالات واسعة للقضاة للتدريس وإلقاء دروس ومحاضرات بمختلف الجامعات والمعاهد بالمملكة تجاوز عددهم 320 قاضيا فضلا عن إصدار عدد هام من المؤلفات والدراسات والمقالات وتأطير رسائل للدكتوراه والماستر مسهمين بذلك في تكوين عملي متين للجيل الجديد من الطلبة وتأهيلهم لخوض غمار الحياة المهنية بكل يسر وسلاسة.
دون إغفال المساهمة الوازنة لمحكمة النقض في إنتاج الفقه القضائي من خلال إصدارتها المتنوعة التي وصلت إلى معدل يفوق بكثير إصدارا واحدا عن كل شهر وفتحها لأبوبها أمام كل الباحثين من الطلبة الذي وصل عددهم سنة 2019 إلى حوالي 13000 زائرا.
إضافة إلى العديد من اللقاءات والندوات التي نظمت على مستوى مختلف الدوائر القضائية للمملكة حي تمت مناقشة أهم القضايا العملية والإشكالات القانونية والقضائية وتداعيتها الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية.
وهي كلها مجهودات تبرز بالملموس مساهمة القضاء لا فقط في إصدار الأحكام والبت في المنازعات وإنما في تحقيق التنمية لمفهومها الحقيقي الشامل بكل وطنية ومسؤولية.
سابعا: ورش تفعيل القوة الاقتراحية والاستشارية للمجلس من أجل تطوير منظومة العدالة.
لقد عمل المجلس خلال سنة 2019 على تفعيل دوره الدستوري كقوة اقتراحية من خلال وضع التقارير و إصدار التوصيات اللازمة بشأن وضعية القضاء و منظومة العدالة بصفة عامة و ذلك من خلال عدد من المبادرات و التدابير أوجزها في المحطات التالية.
❖ الانخراط في البرامج الدولية لإصلاح منظومة العدالة من خلال المساهمة كشريك أساسي بإبداء عدد من الملاحظات والاقتراحات حول الحكامة المؤسساتية لمعهد تكوين القضاة والملحقين القضائيين.
❖ إعداد دراسات ومقترحات بخصوص تدبير الخصاص بالمحاكم.
❖ دراسة الوضعية الراهنة للمهن القضائية.
❖ دراسة تقارير المحاكم المرتبطة بالإشكاليات الحقيقية لتحقيق العدالة المطلوبة.
❖ إعداد مقترحات حول ترشيد طرق الطعن أمام محكمة النقض.
❖ إنجاز دراسة ومقترحات حول القوانين الأساسية كقانون المسطرة المدنية و الجنائية و القانون الجنائي وحوادث الشغل والأمراض المهنية وكذا القوانين الخاصة المرتبطة بالمحاكم الإدارية .
كما عمل المجلس على إبداء الرأي والاستشارة بخصوص عدد من مشاريع القوانين العامة مثل التنظيم القضائي للمملكة والدفع بعدم دستورية القوانين والوساطة والتحكيم والحالة المدنية ومكافحة غسيل الأموال والمسطرة الجنائية وإحداث الوكالة الوطنية لتدبير وتحصيل الأموال والممتلكات المحجوزة أو المصادرة وتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية ومشروع القرار المشترك بشأن تدبير الأرشيف.
إن المقاربة التشاركية تقتضي التفاعل الإيجابي الجدي مع هذه الملاحظات والاقتراحات المبنية على تجربة كبيرة وممارسة عملية للسادة القضاة.
إن التطبيق الجيد الدقيق لنصوص القانون يقتضي منا وقفة جدية ورؤية استراتيجية لمراجعة موضوعية للقوانين لتكون أكثر عدالة وإنصافا.
ثامنا: ورش التعاون و الشراكة.
حيث شهدت سنة 2019 دينامية كبرى على المستويين الدولي والوطني يمكن الوقوف على ملامحها في العناصر التالية:
1. استقبلت مؤسسة الرئيس المنتدب هذه السنة عددا كبيرا من رؤساء السلطة القضائية، ووزراء وسفراء ومسؤولي المحاكم العليا ووفود عن مؤسسات قضائية وحقوقية واقتصادية، من مختلف قارات العالم ذات ارتباط بمجال العدالة مثل الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، اسبانيا، اليونان، الدنمارك، أيسلندا، النمسا، بلجيكا، اندونيسيا، الهند، اليابان، تركيا، فلسطين، السودان، السعودية، السنغال، بوركينافاصو، وقد ركزنا هذه السنة على التجربة الأسيوية باعتبارها تتوفر على أنظمة قانونية متميزة خاصة في مجال القضاء التجاري ورقمنة الإدارة القضائية وتحسين الخدمات القضائية.
2. الزيارات التي قامت بها مؤسسة الرئاسة لكل من اندونيسيا وسنغافورة والمشاركة كضيوف شرف بافتتاح السنة القضائية باسبانيا وكذا بحفل تنصيب الرئيسة الأولى لمحكمة النقض الفرنسية.
3. توقيعنا لمذكرات تفاهم مع نظرائنا باندونيسيا وسنغافورة وفلسطين وإعطائنا الإنطلاقة الرسمية لاتفاقية التوأمة مع المجلس الأعلى للعدالة ببلجيكا.
4. إعدادنا لمشاريع اتفاقيات وصلت إلى مراحل جد متقدمة مع كل من الهند ومجلس الدولة الفرنسي والمحاكم العليا بالنمسا واليابان والمملكة المتحدة.
5. إعدادنا لمشروع اتفاقية مع البرلمان كإطار ملائم لخلق جسور التعاون الفعال بين السلط، وسيتم التوقيع عليها قريبا.
6. المشاركة المتميزة للمجلس الأعلى في العديد من الملتقيات الدولية والورشات التكوينية بكل من الأردن وفرنسا ولوكسمبورغ وسلطة عمان ولبنان وايطاليا والولايات المتحدة ومالطا والصين وتونس وأوغندا وساحل العاج وألمانيا والجزائر وسويسرا ومصر.
7. مشاركتنا في الدورة الثانية لمؤتمر مراكش الدولي للعدالة وتنظيمينا للملتقى الإقليمي الأول للنساء القاضيات الإفريقيات والملتقى المغربي الإيطالي الثالث والتي شكلت أحداثا قضائية متميزة لقيت صدى دوليا كبيرا.
وهي كلها دينامية تسمح لنا بتطوير تجربتنا وآفاق عملنا، كما أنها تعبر عن ثقة دولية في الإمكانات الهامة والوضع المتميز لبلادنا كتجربة إصلاحية متفردة في المنطقة .
وعزمنا أكيد على مواصلة هذه الجهود خدمة للقضايا الكبرى للوطن و للعدالة عبر العالم.
تاسعا: ورش المساهمة في القضايا الوطنية الكبرى.
لا شك أن السلطة القضائية وهي تؤدي مسؤولياتها الدستورية والقانونية فإنها تبقى ملزمة في خياراتها الإستراتيجية بالتفاعل الإيجابي مع باقي المواضيع و الأحداث الوطنية الكبرى ومنها قضية الوحدة الوطنية التي أكد جلالة الملك على أنها مسؤولية الجميع.
وفي هذا السياق واحتفاء بذكرى المسيرة الخضراء نظم المجلس لقاءا تواصليا هاما مع وفد أيسلندي رفيع المستوى ضم عدداً كبيرا من الشخصيات القضائية والقانونية والحقوقية بهدف التعريف بمضامين ومرتكزات قضيتنا الوطنية كما شاركنا في تنظيم ندوة وطنية بنفس المناسبة بمدينة الداخلة الأبية حول دور الدبلوماسية الموازية في الدفاع عن وحدتنا الترابية.
فضلا عن أن كل الزيارات الدولية لمؤسسة الرئيس المنتدب شكلت فرصة أخرى لإبراز آخر المستجدات بشأن القضية الوطنية والتأكيد على عدالتها وشرعيتها التاريخية والقانونية.
كما كانت سنة 2019 مناسبة لبذل مزيد من الجهود بخصوص قضايا محورية مرتبطة بتفعيل وتكريس ثقافة حقوق الإنسان ببلادنا من خلال عدد من المبادرات أوجزها كما يلي:
1) تنظيم لقاءات عمل مع ممثلي عدد من المنظمات الدولية التي تعنى بهذا الموضوع كمؤسسة dignity والمعهد الدنمركي لحقوق الإنسان ومكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والشغل بوزارة الخارجية الأمريكية والمفوضية السامية لحقوق الإنسان ومنظمة اليونيسيف.
2) تنظيم والمشاركة في عدد كبير من الملتقيات الوطنية والدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان أذكر منها : الندوات المتعلقة بالخطأ القضائي ومناهضة التعذيب والمحكمة الجنائية الدولية والاتجار بالبشر وعدالة الأطفال وحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وقضايا المهاجرين واللاجئين وغيرها…
وهي كلها مناسبات للإطلاع على التجارب والممارسات الفضلى عبر العالم في مجال حقوق الإنسان ودعم تجربتنا وتطوير إمكاناتنا البشرية التنظيمية والقانونية والقضائية تكريسا لدولة القانون المؤسسات.
الحضور الكريم؛
لقد كان اختيارنا هذه السنة لشعار ” العدل أساس التنمية الشاملة” مستندا على معطيات وأرقام واجتهادات قضائية متميزة تعبر بكل جلاء عن فلسفة ومضمون هذا الشعار .
فقضاة الحكم بالمملكة البالغ عددهم (2851) قاضيا أصدروا سنة 2019 (3172653) حكما، ووصل متوسط المحكوم سنويا بالنسبة لكل قاض إلى (1113) حكما بزيادة ملموسة مقارنة مع السنة الماضية.
وهي أرقام ومعدلات تختزل ساعات وأيام طوال من العمل الجاد الدؤوب والتضحيات الكبرى التي يقوم بها قاضيات وقضاة المملكة المرابطين بكل المراكز والمحاكم متسلحين بقوة القانون وبنور البصيرة الكامن في ضمائرهم منخرطين بكل مسؤولية في هذا المشروع المجتمعي الذي يقوده جلالة الملك دام له العز والتمكين.
أرقام تعكس مدى مساهمتهم في تحقيق الأمن القضائي بكل أوجهه الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية وأبعاده الوطنية والدولية فتحية تقدير واعتزاز وشكر وامتنان ولكل قضاتنا الأفذاذ.
السيدات والسادة قاضيات وقضاة المملكة الافاضل؛
إننا نقدر غاليا جهودكم والتزامكم وتضحياتكم وسنكون دائما حريصين على توفير كل الضمانات والشروط لأداء رسالتكم بكل إيجابية ومسؤولية.
أما على مستوى محكمة النقض ، فقد استطاعنا خلال سنة 2019 تحقيق نتائج مهمة متميزة رغم كل الإكراهات حيث سجلنا (51591) قضية بنسبة زيادة وصلت إلى 2،21 % وهو رقم مرتفع جدا مقارنة لا فقط مع المحاكم العليا المماثلة عبر العالم ولكن أيضا حتى مع محاكم الاستئناف بالمملكة التي هي محاكم موضوع.
أكيد أنه رقم بقدر ما يؤشر على إقبال المتقاضين المتزايد وثقتهم الكبيرة في عدالة ونجاعة محكمة النقض، إلا أنه يدعو إلى ضرورة الإسراع بالاستجابة بكل جدية لمطلبنا الذي ما فتئنا نكرره ألا وهو وجوب الإسراع بوضع حواجز قانونية تمنع الطعن في عدد من القضايا البسيطة التي تستهلك كثيرا من الجهد والوقت والإمكانات، كما يتعين تعديل مقتضيات الفصل 269 من قانون المسطرة المدنية بما يسمح لمحكمة النقض بالتصدي للبت في القضايا في حالة الطعن للمرة الثانية وذلك حفاظا على الثقة العامة وعدم إهدار الزمن القضائي.
لقد سجلنا بكل اعتزاز خلال سنة 2019 تزايدا كبيرا في عدد القضايا المحكومة الذي وصل إلى(46.726) قرارا بنسبة زيادة وصلت ل 17.1%، رقم لا نملك إزائه إلا أن نشد بحرارة على أيدي كل السيدات والسادة رؤساء الغرف والمستشارين الأفذاذ الذين رغم التغيرات التي عرفتها البنية البشرية لمحكمة النقض بسبب مغادرة عدد هام للتقاعد والتحاق جيل جديد من القضاة لرحابها فإنهم استطاعوا التأقلم مع دينامية هذا الصرح ومخططه الاستراتيجي.
دينامية تظهر جلية أيضا في تفعيلنا للحق الدستوري المتعلق بالتقاضي داخل أجل معقول حيث بلغنا نسبة 77% من القضايا تم البت فيها داخل أجل أقل من السنة.
السيدات والسادة الأفاضل،
نحن أمام معطيات وأرقام بقدر اعتزازنا بها فإنها تبقى أرضية لسقف طموح أكبر وأعلى.
وهو ما يستدعي مضاعفة الاهتمام بخلية الإنتاج القضائي الأولى وهي المحاكم الابتدائية التي تصل إلى حوالي (84.04%) من مجموع القضايا المسجلة بمختلف الدرجات.
اهتمام بالعنصر البشري من مسؤولين قضائيين وقضاة خاصة وأنهم من الجيل الجديد الذي يحتاج كثيرا من الدعم والتشجيع مع العناية بأطر وموظفي كتابة الضبط وتحسين ظروف اشتغالهم وكتابة الضبط التي سبق أن اقترحنا منذ سنوات إجراء تعديل تشريعي لتكون مصدرا لإنتقاء عدد من أطرها ذوي الخبرة والدراية والكفاءة لتعزيز صفوف القضاة.
كما يجب الانكباب بكل جدية على ورش أساسي يعد أداة أساسية للشفافية والنجاعة وسترتفع معه مؤشرات الجودة ألا وهو تبسيط المساطر والتحديث الحقيقي لآليات إشتغال المحاكم ومنظومة العدالة ، إن كثيرا من الأعطاب التي تنسب للقضاء اليوم بشكل غير موضوعي سببها تعقد المساطر القانونية مما يؤثر على منسوب الثقة ويعطل المصالح ويهدر اقتضاء الحقوق في آجالها المعقولة.
إنه من غير المعقول اليوم أن يبقى إنتاج العدالة رهين نصوص قانونية مسطرية غير ملائمة للواقع القضائي الوطني والدولي.
لقد أصبح ضروريا انخراط الجميع بدون استثناء في برامج التحول الرقمي للمحكمة الإلكترونية والتبليغ الإلكتروني والمداولة الرقمية وغيرها من الخدمات القضائية الرقمية الذكية ونحن نعيش في عالم متسارع متطور.
وهو ما حرصنا عليه منذ سنوات خلت، حيث بدأ تطبيق المداولة الرقمية في عدد من أقسام محكمة النقض فضلا عن رقمنة القرارات وبناء أرشيف إلكتروني ، فضلا عن عدد من المشاريع التقنية التي نحن بصدد وضع لمساتها النهائية لتعطى لها الإنطلاقة هذه السنة ببعض الدوائر القضائية كنموذج يعمم على باقي محاكم المملكة، كما بعثنا هذه السنة وفدا هاما إلى جمهورية الصين قصد الاستفادة من تكوين عملي جيد في مجال الخدمات والبرامج القضائية الإلكترونية والمعلوماتية .
والأكيد أن مساهمة أسرة العدالة في التنمية الشاملة لن تستقيم إلا بمواكبة جدية منفتحة على التحولات الرقمية والتطور التكنولوجي.
…الحضور الكريم،
لقد تلقينا باعتزاز وفخر كبيرين مضامين الرسالة الملكية السامية التي وجهت للمشاركين بالمؤتمر الدولي للعدالة والتي أكد فيها جلالته على أهمية القرارات المبدئية الصادرة عن القضاء المغربي وخاصة محكمة النقض التي سعت إلى إعطاء مصداقية وثبات ومرونة في مجال الاستثمار.
إن المتتبع الموضوعي للعمل القضائي سيرصد بكل وضوح الحمولة الحقوقية التي نحاول بلورتها وتجسيدها من خلال قرارات مبدئية تبرز دور العدالة في تحقيق التنمية الشاملة من خلال تكريس الحماية القضائية للحقوق والحريات وتجسد الانخراط الحقيقي للقضاة في مسيرة الإصلاح بمقاربة واقعية مقاصدية تستهدف تحقيق الأمن القانوني والقضائي.
أدوار نقف على ملامحها من خلال العديد من القرارات التي لا يسمح الحيز الزمني الضيق باستعراضها، وهي تلزمنا بالتنويه عاليا بقضاة محكمة النقض الأجلاء وبحرصهم على أداء الأمانة بكل ضمير وإخلاص، فلهم منا عظيم التقدير وعظيم الامتنان.
كما أوجه كل عبارات التنويه والتقدير لكافة أطر وموظفي كتابة الضبط الذين يعدون أساس نجاح العمل القضائي والإداري في شخص رئيس كتابة الضبط.
وأغتنم هذه المناسبة لنكرس قيم الوفاء والاعتراف بالفضل لأهله، قضاة أفذاذ ومدارس في الصناعة العلمية والفقهية قضاتنا الرواد الذين غادروا قاعات المحاكم ومنهم من غادرنا إلى دار البقاء، لكنهم ما غادروا قط وجداننا فلهم منا صادق الدعاء بأن يتقبل الله منهم صالح أعمالهم ويجازيهم الجزاء الأوفى.
وفي ختام هاته الكلمة، أجدد لكم أصحاب المعالي والفضيلة عبارات الشكر والتقدير على حضوركم ومشاركتكم الوازنة داعيا العلي القدير أن يوفقنا جميعا لما فيه خير هذا الوطن.
قال الله تعالى في محكم كتابه: ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ.) صدق الله العظيم.