خطت “اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي” الخطوة الأولى في مشوار
“الألف ميل”، في محاولة لوضع تصور شمولي لنموذج تنموي، يصحح مسارات التنمية
ويضع البلاد على سكة مرحلة “المسؤولية” و”الإقلاع الشامل” في أفق الصيف
المقبل، بشكل يقطع مع مفردات الرتابة والهشاشة والإقصاء، ويعيد التوازنات
المأمولة للمجال المغربي، بعد سنوات عجاف من الارتباك وضبابية الرؤية، حكمت
على شرائح عريضة من المواطنين المغاربة بالعيش غرباء في بيت التنمية، وهي
مرحلة جديدة، تقتضي التعبئة الجماعية والانخراط الإيجابي في دعم مهمة
“اللجنة”، عبر الارتقاء بمستويات الخطاب، وخلق نقاشات متعددة المستويات حول
الواقع التنموي، وما يعتريه من ثغرات وكبوات، والاجتهاد في تقديم الحلول
والبدائل التي من شأنها تيسير عمل “اللجنة”، التي لا خيار لنا سوى دعمها
ومساندتها، مادام المقصد الذي تحكم في تنصيبها، هو خدمة الوطن، والدفع
بعجلة التنمية نحو الأمام، لما فيه خير للبلاد والعباد، بعيدا عن الخرجات
الخارجة عن النص.
في هذه المرحلة، نوجه البوصلة نحو الصحافة المهنية والأخلاقية بكل
أشكالها (سمعية، بصرية، ورقية، إلكترونية) من أجل مواكبة هذا الحدث الوطني،
انطلاقا من مسؤولياتها المواطنة، في تتبع ما يعرفه البلد من تحولات متعددة
المستويات، وفي تأطير وتنمية المجتمع، وجعل المواطن(ة) في صلب القضايا
الوطنية، وهذا يفرض تتبع عمل اللجنة، والنبش في حفريات استراتيجية عملها
وتدخلاتها، وتوجيه البوصلة نحو ما قد يعتري مهمتها من عراقيل وصعوبات، كما
يقتضي الإسهام في إحداث دينامية إعلامية تعكس روح المرحلة، بفتح نقاشات
مهنية رصينة متعددة الزوايا، تشخص بجرأة وموضوعية واقع الشأن التنموي،
وتنفتح بمصداقية على الساكنة، وترصد معاناتها وتطلعاتها وانتظاراتها، عبر
مختلف الأجناس الصحفية من قبيل الحوارات الصحفية والتحقيقات والروبورتاجات،
بما في ذلك مقالات الرأي، من أجل الإسهام في خلق بيئة إيجابية، في مرحلة،
تتطلب الحوار والتشاور والإصغاء، وتقدير حجم الرهانات والتحديات، ومستوى
الانتظارات والتطلعات.
ومن أدوار الصحافة المهنية والأخلاقية أيضا، في هذه المرحلة
المفصلية، أن تتجاوز الأفكار المهووسة بالتشويش المثير للقلاقل والنعرات،
لأن الوطن ضاق ذرعا من العناد والخلاف والصدام غير المجدي، ونحن كمواطنين
في أمس الحاجة إلى من يشتغل ويبادر ويفكر برقي، ويكرس الطاقة والقدرة، من
أجل الوطن، لا لمن قهرنا ويقهرنا بلغة “الشفوي” و”الشفوي ما يداوي”، أما
الصحافة أو “شبه الصحافة” – الإلكترونية أساسا – ، التي تقتات على “البوز”
الخادع، وتتربص في الأحياء والشوارع والزقاقات، بحثا عن “الشوهة” و”الجرائم
المثيرة”، أو التيهان في عوالم العالم الأزرق، بحثا عن “خبر تافه” لصناعة
“مادة خبرية أتفه”، نأمل أن تعود إلى رشدها، لأن الوطن شاخ تفاهة وسخافة،
ولم يعد يحتمل، اتركوا من فضلكم “الأخبار البئيسة” التي تزيد معيشنا اليومي
بؤسا، وتزيد الوطن تواضعا وانحطاطا، لا تخبرونا عن “حمل فنانة” أو “علاقة
حميمية” أو “زواج فنان”، ولا تؤرقوا راحتنا بجريمة نكراء، فقد أصبحنا نصبح
ونمسي عليها، ولا تخترقوا خلوتنا بصورة أو فيديوهات مملة، فنحن على وشك
الإصابة بوسواس الملل..
ارحمونا رجاء، ولا تقسو علينا وعلى الوطن، غضوا الطرف عن “التفاهة”
وأخواتها، والتفتوا حول قضايا الوطن وما أكثرها، وساهموا قدر الإمكان في
ترصيع “قلادة” التميز والجمال، احتضنوا النجاحات والمبادرات والمنجزات،
عبروا بوطنية عن نبض المجتمع، وأطلقوا العنان للميكروفون والصوت والقلم، من
أجل صون “بيضة” الوطن، من أن تطالها مخالب العبث والتهور والانحطاط، فكلما
راهنتم على “البوز” المرصع بالتفاهة، كلما أسأتم للوطن، وكلما كان إصراركم
على ركوب “صهوة” السخافة، كلما حكمتم علينا بالارتباك والتيهان، وفي هذا
الصدد، لسنا من دعاة التيئيس، ولسنا من صناع التبخيس، علاقتنا بصاحبة
الجلالة، لا تتجاوز حدود مقالات رأي، نفجر فيها ما نتملكه من ملكات
تعبيرية، لكننا نحمل “هم الوطن”، ونرفع الحق – كمتلقين- في أن نتلمس صحافة
مهنية منضبطة للقانون وملتزمة بأخلاقيات المهنة، تساهم إيجابا في تشكيل
وعينا الجماعي، وترتقي بأذواقنا وتسمو بممارساتنا، وتعكس بشكل مستدام،
“نبضنا” في السراء كما في الضراء، و إذا انتقدنا، فنحن لم نوجه النقد لأحد،
وإذا أشهرنا سلاح العتاب، فإن “سفينة” عتابنا، حركتها رغبة جامحة، في أن
نعيش معا وسويا، بين أحضان مهنة، لاخيار لنا عنها، وصفوها ذات يوم بمهنة
المتاعب والسلطة الرابعة وصاحبة الجلالة، التي لا يمكن تجاوزها أو إنكارها
أو إقصاؤها.
وإذا وضعنا “الصحافة المهنية والأخلاقية” في الواجهة، وحملناها
مسؤولية تتبع ومواكبة خطوات “اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي”، فإن هذه
“اللجنة” تبقى مطالبة، ليس فقط، في أن تتبنى مقاربة تشاركية مندمجة متفتحة
على كل الشرائح الاجتماعية، بل وأن تفتح حضنها لوسائل الإعلام الرصينة، على
مستوى التواصل والإشعاع، من أجل تمكين المواطنين من المعلومة الصحيحة من
مصدرها، ونختم القول، بتحية “الصحافة المهنية والأخلاقية” في الداخل كما في
الخارج، التي واكبت وتواكب بمهنية، ما تعرفه الساحة الوطنية من متغيرات،
وبالتنويه بكل “صحفي مهني”، يجعل من “صاحبة الجلالة” مهنة “النبل” و”الرقي”
و”الإبداع” و”الجمال”… أما “شبه الصحافة الإلكترونية” وبعضها يصدر في بعض
بلدان المهجر، فهي تتواجد بين خيارين إثنين لا ثالث لهما : إما “الارتقاء”،
أو تظل على الدوام تلعب “دور الكومبارس” في مشهد إعلامي ، لا مكان فيه
للمتفرجين أو العابثين أو المتهاونين