رأيسلايد

التفكير فن للحياة أو شقاء له


 


     اسرار بريس  عبد الفتاح الحفوف
إن الإنسان اعتاد طريقة العيش على المألوف،أقول المألوف الذي ورثه الإنسان عن آدم. اعتاد الوقوف على جدران هذا العالم المهزوم ، بين مفسد ومضلل للحقائق، الى أن أضحى العالم يسير بخطى تميل الى تحقيق المنافع ذاتية كانت أو جماعية، منتهكا بذلك تلك القيم التي كانت خلاص آدم مما وقع فيه. لقد تعلم الإنسان ألا يكون إنسانا إلا أمام الآخرين و بالآخرين. فهو لم يكن واع بإنسانيته أو يتوهم انه كذاك ، فالإنسانية تقتضي الوعي بكينونة الذات الانسانية ،وهذا شرط الوجود كإنسان.
إنسان مفرط في إنسانيته، و هذا لا محالة. هكذا كان نيتشه يصرخ دون أن يسمعه أحد، لم يكن  للإنسان الشجاعة في التفكير حتى ولو أقبل على  ذلك بوعي أو بدون وعي منه. لأننا نعيش في كنف/ كهف الجهل. فهل تستطيع الفلسفة كتفكير حر الخروج بالإنسان من شقائه المرضي؟ أم أن المفكر/ الفيلسوف يفكر في الحياة  خارج الحياة ؟
إنني على يقين أن الإنسان مات منذ الأزل، مات منذ أن تخلى عن التفكير كرهان وكأفق إعادة الاعتبار للذات، فكان من ضلال تفكيره سببا في طمعه وجأشه اللا متناهي عن أشياء كان هو في غنى عنها. ماذا كان ينقص آدم  وهو في الجنة ؟ لماذا أورثنا تصحيح خطيئة  نحن في غنى عنها ؟
لا نريد إحياء ما كان في الأنقاض وعلى الهامش، وإنما نريد توجيه/ ونقد التفكير ذاته.  فموته هو موت الحياة. والموت هنا بمعنى غياب الرؤية والبقاء في الدجى. يقول الله تعالى في كتابه وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مَّن ضٌرٍ لّلَجَّوا فِي طٌغْيَانِهِمْ يَعْمَهٌونَ
  
إن التفكير كتفلسف في الحياة
صعب المراس، صعب لدرجة أن الإنسان خاف على ذاته من التفكير. فجعل ثمن حياته مقابل التخلي
عن التفكير. أن يعيش كحيوان فاقد للنطق /للتفكير أفضل له من إتعاب عقله بالتفكير. هذا
وإن دل على شيء إنما يدل على الحياة البسيطة. لكن ما هي هذه الحياة البسيطة التي يريدها
الإنسان؟. ألم يبحث الفلاسفة أنفسهم على هذه الحياة البسيطة ؟ ألم يشهد تاريخ الانسانية
كيف كان  الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يعيش
حياة بسيطة؟  
إن سؤال الحياة أو معنى الحياة، لا يتوقف عليها، إنما يتوقف
على الكيفية التي بها يتقبل الإنسان العيش فيها. ولكن هذا لا يخلو من الهروب منها،
فالحياة أحيانا قد تكون غير جديرة بأن تعاش كحياة. وهذا واقع شهده تاريخ الفلاسفة
عموما وكل مثقف على الخصوص. الأصل في الحياة أن الإنسان مجبور على العيش فيها بدون
إرادته، والإجبار أو الحتمية هنا لا تعني فقدان الحرية التي هي شرط التفكير
المعقلن. أولم يقل هيغل ” إن وجود التفكير مشروط بوجود الحرية، والوعي
بأهميته”. فوعي الذات هو وعي بتفكيرها، و بشكل أدق، أن نعيش هو أن نحيا في
الوقت الذي نموت فيه عما كنا عليه. بالتفكير يمكن للإنسان أن يدرك أمرين أساسيين
بخصوص وجوده كإنسان يحقق كينونته:
أولا: إدراك وجوده كذات واعية لها قيم إنسانية. فوجود
الذات بدون قيم نبيلة تعيش عليها، سيجعل الإنسانية تحل محلها قيم الانحطاط والشقاء
الاعتيادي. وقد أصدق هيغل في كتابه فينومينولوجيا الروح  عندما قال ” على كل فرد أن يخاطر بحياته ،
أن يسعى الى موت الأخر ، لأن الأخر ليس أسمى منه” غواية تفكير الإنسان في
التفاضل والتنافس والطمع على حساب الأخر يتنافى كليا مع قيم الإنسانية،أو بتعبير
توماس هوبز ” الإنسان ذئب لأخيه الإنسان ” وهذا يتنافى مع الحدود
المرسومة له كإنسان.  وهو الأمر الذي لم
يدركه آدام أثناء حواره مع من أغواه ضد مشيئة الله. 
وثانيا: هو إدراكه كذات تعيش في عالمين متناقضين، عالم
خارجي هو الذي لم يحسن آدم التعامل معه، فأدرك بعد فناء جهله  سر شقائه الأبدي، كل شيء فيه خارج سلطة تفكيره، فتعلم
الإنسان أن فناء شقائه لا يكمن إلا  في
التعايش والتسامح والحب.  وعالم داخلي
يستطيع أن يحاور شيطانه بلغة العقل لا الغرائز والأهواء بحيث يكون فيه هو السيد لا
العبد.
  الحياة البسيطة إذا هي مصالحة الذات مع ذاتها ،أن تكون ذاتا، يعني أن
تكون لك  القدرة على تقبل القدر الإلهي كما
هو ، فقدرك غير قدري، فكن أنتَ أَنتَ لا غيرك.وهي حياة تكون فيها ذات الإنسان هي
نفسها لا كما يريدها الآخرون أن تكون.وهذا التفكير سينتج عنه وعي بتلك المفارقة
التي تجعل الذات مضطربة في وجودها؛ وعي بما هو داخلي يستطيع الإنسان أن يتحكم فيه مبسطا
سلطان عقله على انفعالاته وغرائزه، ووعي خارجي غير متحكم فيه.
إن الرهان اليوم يتوقف على الطريقة التي يتعلم بها
الإنسان في الحياة و المدارس على الخصوص، طريقة تفكيره، تعامله، تقبل الاختلاف. إننا
مدعوون الى أن نكون/ أن نصير مواطنين لذواتنا أولا وللكون ثانيا، وهذا ما يتم
الوعي به عندما نفكر كذوات، عندما يتيح للإنسان الارتباط بواقعه.  وقد كان ايفان إليتش سباقا الى وعيه بهذه
المسألة في كتابه ” مجتمع بلا مدرسة، فالتعليم، والتفكير وغيرهما  ليس بالضرورة أن يكون محصورا بين الأسوار
نخلص في الأخير الى أن الإنسان لن  يكون إنسان بالخوف ( الخوف من الموت ، الخوف من
العقاب…الخ) مادامت  له الجرأة على
التفكير والارتقاء بذاته كذات واعية فالإنسان الحر كما قال اسبينوزا “هو ذلك
الذي يعيش وفق ما يمليه عليه العقل، لا يقوده الخوف، بل يرغب في الخير، أي أنه
يرغب في الحركة والحياة والحفاظ على وجوده ، وحكمته هي تأمل في الحياة “فأن
نعيش الحياة هو أن نتأملها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى