سلايدمجتمع

كاميرات المراقبة… تسيب وانتقام

 
 اسرار بريس
تثبيتها يستوجب مساطر خاصة وإشعار الزبناء واستعمال محتوياتها يعرض للمساءلة الجنائية
إذا
كان لكاميرات المراقبة بالأماكن العامة والخاصة، دور أمني بالدرجة الأولى،
فإنها تسببت في مآس اجتماعية بعد أن تجسست على الحياة الخاصة للعديد من
المواطنين، وصاروا موضوع أشرطة فيديو على «واتساب» و«الفيسبوك». ساهم
الفراغ القانوني في مسألة  وضع كاميرات المراقبة في انتشارها بشكل مخيف وصل
إلى حد الفوضى والتسيب، باستثناء  نص قانوني يتيم يحمل رقم 08-09، المتعلق
بحماية المعطيات  ذات الطابع الشخصي، يجيز استخدام كاميرات المراقبة في
الأماكن العامة، بهدف تأمين ممتلكات الأشخاص، والعمال في أماكن العمل، 
ويحدد مدة الاحتفاظ بالتسجيلات وهوية المسؤول عن معالجة المعطيات. هذا
الفراغ القانوني، طرح إشكالا يخص التوفيق بين الحماية الأمنية للمحلات
والمؤسسات وحماية الحرية الشخصية بالشارع العام أو قرب وداخل هذه المحلات،
سيما أن عددا من هذه المرافق  لا يتوفر على رخصة وضع كاميرات المراقبة، ولا
تضع إشعارات تعلم روادها بوجود الكاميرات داخل هذه الفضاءات، كما يطرح
إشكال آخر في حال وقوع جريمة ما، يتعلق بحق الضحية أو الجميع في الاطلاع
على فحوى الفيديوهات  التي سجلتها هذه الكاميرات، أم أن الأمر يقتصر فقط
على كل من يحمل الصفة الضبطية.

شروط صارمة لحماية المعطيات الخاصة  
استعمال التسجيلات يعرض للمساءلة وضوابط تفرض إشعارا بوجود مراقبة بالصورة

الدولة
عند تقنينها لكاميرات المراقبة على الطرق، أشارت في مدونة السير، إلى أنه
يتم تثبيت علامات تشير إلى وجود كاميرا المراقبة، فالإشعار هنا، شرط من
الشروط الشكلية، التي قد يحتج بها عند وجود كاميرات لم تحترم القانون، ولو
كان حاملها شرطيا يحمل الصفة الضبطية التي تخول له تسجيل المخالفات. هذه
القاعدة التي تبدو أنها تأخذ إشعار المواطنين مأخذ جد، والتي تحركها فلسفة
الوقاية والحماية، إذ أن الأصل في فعل المراقبة هو منع وقوع الحوادث وإلزام
السائقين باحترام قانون السير، (هذه القاعدة) لم تحترم في العديد من
المؤسسات، سواء منها العمومية أو الخصوصية، في ما يخص تثبيت الكاميرات ونقل
تسجيلات للمواطنين بالصوت والصورة، إذ لا يتم الإشعار بوجود مراقبة
كاميرا، أكثر من ذلك أن بعض أرباب هذه الفضاءات أصبحوا يتفننون في تثبيت
كاميرات خفية لا ترصدها العيون بسهولة، رغم أنه من الواجب تثبيت لوحة أو
يافطة في الفضاء الخاص، تنبه وتشير إلى أن المكان يخضع لمراقبة بالكاميرات.
فالعديد
من المقاهي والحانات والمطاعم وغيرها من المؤسسات السياحية تعمد إلى تثبيت
الكاميرات، لأهداف ذاتية وأخرى موضوعية، فالأولى تنصرف إلى مراقبة العمال
والمستخدمين وتتبع سلوكاتهم وسلوكات الزبائن، أما الثانية فلها أهداف أمنية
وتنساق وراء مطالب توفير  شروط السلامة، خصوصا عند وقوع حادث إجرامي، وهي
مطالب ارتفعت أكثر بعد التهديدات الإرهابية، بأن فرض على مختلف المؤسسات
السياحية والبنوك وغيرها وجوب اعتماد منظومة مراقبة رقمية للرجوع إليها عند
الحاجة، والتي تمتد إلى الشوارع والأزقة حيث توجد تلك المحلات التجارية.
وإن
كان المشرع المغربي أحاط المعطيات ذات الطابع الشخصي بعناية خاصة بواسطة
القانون رقم 09/08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات
ذات الطابع الشخصي، وجاء بتعريف هذه المعطيات من أنها كل معلومة كيفما كان
نوعها بغض النظر عن الوسيلة التي استخدمت للحصول عليها سواء كانت مكتوبة أو
عبر الصوت والصورة تتعلق بشخص ذاتي معرف أو قابل التعرف عليه. فإن ثمة
عيوبا تميز تثبيت هذه الكاميرات، ولعل أهمها في مدى توفر ترخيص قبلي من
الجهات المختصة، ومدى استشعار مسؤولي تلك المحلات التي اختارت اعتماد
المراقبة بالكاميرا، بمدى خطورة استعمال التسجيلات في غير محلها وخرق مبدأ
حماية المعطيات الخاصة التي تدخل ضمنها صورة الفرد أو تحركاته أو ارتياده
محلات معينة.
وحسب رأي الحقوقيين فإن الإشكال القانوني
يكمن في تصوير وتسجيل الأشخاص صوتا وصورة من دون رغبتهم، إذ أن القانون
نفسه يشير إلى أن جمع المعطيات يبقى مشروطا بعدم مسه بالهوية والحقوق
والحريات الجماعية أو الفردية للإنسان، وكذا ألا يكون وسيلة لإفشاء أسرار
الحياة الخاصة بالمواطنين، كما ترك الباب مفتوحا ومبهما على مصراعيه ولم
يحدد الغايات من جمع تلك المعطيات، هل من أجل الحفاظ على الممتلكات
والأشخاص أم لمواجهة الاعتداءات وأفعال السرقة؟
أما
التساؤلات العريضة التي تطرح في هذا الخصوص، فتتجه إلى صفة الشخص الموكول
له الاطلاع على الشريط المسجل، هل ينبغي أن تتوفر فيه الصفة الضبطية، أم
أنه يحق لأي كان الاطلاع على محتوى الشريط أو التقدم به إلى الجهات الأمنية
أو القضاء لوضع الشكايات مثلا؟ وألا يخشى مع إدخال تغييرات على تلك
المعلومات الرقمية (الصورة والصوت)، وفبركتها لتلفيق التهم أو تشويه سمعة
شخص وغيرها من أفعال الإساءة التي قد تنجم عن ذلك!
لعل
شيوع فيديوهات «عبر واتصاب» أو «فيسبوك» ومختلف فضاءات التواصل، لأشخاص
ارتادوا مقاه جالسين مع فتيات، أو في حالات حميمية، والتي التقطت في غفلة
منهم بمقاه أو فضاءات عامة، يطرح تساؤلات جدية حول أهلية الشخص الذي يقوم
بقراءة التسجيلات، وفرض عقوبات على مستغلي تلك التسجيلات لأغراض الإساءة
والمس بالحريات الفردية.
المصطفى صفر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى