اسرار بريس عن : د : خليفة مزضوضي من مراكش
عيشة القنديشة هي امرأة يُروى عنها في القصص والخرافات المغربية أنها جنيّة (سيدة المستنقعات)، ويتم تصويرها تارة في شكل ساحرة عجوز شمطاء وحاسدة تقضي مطلق وقتها في حبك الألاعيب لتفريق الأزواج، وتارة أخرى تأخذ شبهًا قريبًا من بغلة الروضة (بغلة المقبرة)، وتارة تبدو مثل امرأة فاتنة الجمال ولها قدمين تشبهان حوافز الماعز أو الجمال أو البغال (بحسب المناطق المغربية). ويطلق على شبيهتها في مصر كلمة النداهة أيضًا.
لا ينحصر تداول هذه الأسطورة في أوساط العامّة؛ فقد كتب عالم الاجتماع المغربي الراحل بول باسكون عنها في كتابه (أساطير ومعتقدات من المغرب) حيث تتداول أوساط العامّة أسطورة تحكي كيف أن أستاذًا أوروبيًّا للفلسفة في إحدى الجامعات المغربية كان يحضّر بحثاً حول “عيشة قنديشة”، فوجد نفسه مضطراً إلى حرق كل ما كتبه حولها وإيقاف بحثه، ثم مغادرة المغرب بعدما تعرّض لحوادث عدة غامضة ومتلاحقة.
لكن الدراسات التاريخية أكدت أن الأمر يتعلق بأميرة مسلمة باهرة الجمال، طردها المسيحيون من الأندلس إبّان محاكم التفتيش في القرن 16 حينما تم تهجير حوالي 275.000 مسلم من الموريسكيين، وكذا قتل الآلاف.
أسماها البرتغاليون بعيشة كونديشة أي: الأميرة عيشة (الكونتيسا contessa).
عند احتلال البرتغاليين أجزاء من المغرب ساهمت عائشة في قتالهم، حيث كانت تستغل جمالها لجلب بعض الجنود البرتغاليين، وذلك أنها كانت تظهر لهم فيطاردوها فتتجه بهم إلى كمين أعدَّته مسبقًا بمؤازرة المقاومين المغاربة. ولما أظهرت شجاعة باهرة في القتال والمناورة خاف المحتل من ازدياد شعبيتها وتوسُّع مناصريها. روّجوا بين الناس تلك الأسطورة المعروفة لكي ينفر منها الجميع.. فكان أعوان المستعمر في الأسواق يحذّرون الناس منها ومن تربُّصها بالبيوت وتنكُّرها في هيئة قريب حتى تختطف أحد الذكور إلى وكرها الموحش.. فتضاعفت الإشاعة عنها واستمرت إلى يومنا هذا.
وقد تعاونت مع الجيش المغربي لمحاربة البرتغاليين الذين قتلوا وشرّدوا أهلها؛ فأظهرت مهارة وشجاعة في القتال حتى ظنّ البعض فعلًا -وعلى رأسهم البرتغاليين- أنها فعلًا ليست بشرًا وإنما جنّيّة، كانت في الصفوف الأمامية لمواجهة السّهام القاتلة، وتمكّنت من قتل أصلب محاربي الجيش البرتغالي، مما دفعهم إلى وصفها بالسيدة الحديدية، مُقرّين بصلابتها وبسالتها وشجاعتها في المعركة.
وتروي الحكاية أن “عائشة قنديشة” نالت ثأرها بمشاركتها في معركة واد المخازن عام 1578م، التي كان النصر فيها عظيمًا، لكن لا أحد استطاع أن يعثر عليها بين جثث الشهداء.
تلك هي حكاية السيدة التي كانت تخفق لها القلوب داخل وخارج البلاد، وأخطأتها الروايات المتواترة، وبدل “الكونتيسة عائشة” أصبحت “عيشة قنديشة”، وتحولت من سيدة شجاعة إلى مجرد سيدة مرعبة بحوافر جمال أو ماعز تتصيد طرائدها من البشر لإشباع رغباتها.
هل تعرف نساء مجاهدات أخريات تم إخفاء تاريخهن عمدًا؟؟