حوادثسلايد

حزبا العدالة والتنمية التركي والمغربي.. أية علاقة؟

 
 اسرار بريس
يمكن أن نتحدث تاريخيا عن مرحلتين في علاقة الحركة
الإسلامية في المغرب بالتجربة الإسلامية التركية، أولاهما كانت في
ثمانينيات القرن الماضي، وكان حينها أعضاء حزب العدالة والتنمية
المغربي المنتمون آنذاك إلى تنظيمات إسلامية مختلفة، يراقبون عن كثب
التجربة التركية ويحاولون الاقتداء بها؛ لكونها سابقة في الانفتاح على
المدخل السياسي لأي تجربة مغربية. كانوا يقتبسون حينها من التجربة التركية
الجانب التصوري والنظري والفكري فقط.


أما المرحلة الثانية فقد بدأت خلال التسعينيات حيث
حصل الاحتكاك المباشر مع التجربة الإسلامية التركية، من خلال مجموعة من
اللقاءات لقادة حركة التوحيد والإصلاح مع قادة حزب “الرفاه” وعلى رأسهم
رئيس الحزب نجم الدين أربكان، هذا الحزب الذي يشكل الشق السياسي لحركة
“الفكر الوطني” التي كانت وما تزال تشكل أحد مكونات التجربة الإسلامية
التركية.


ومن هذه الحركة تناسلت مجموعة من الأحزاب السياسية
ذات الخلفية الإسلامية، بدءًا من حزب “النظام الوطني” سنة 1971 إلى حزب
“الفضيلة” سنة 1999 . قبل أن تعرف هذه التجربة تطورا فتنقسم  إلى حزبين:
“السعادة” و”العدالة والتنمية”.


ويشترك حزبا العدالة والتنمية التركي والمغربي في
تأسيسهما المتأخر بعد مسارين طويلين من أجل نيل الشرعية القانونية. فقد
تأسس حزب العدالة والتنمية المغربي عام 1996 عقب عقد مؤتمر استثنائي لحزب
الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، الذي انضم إليه قياديون إسلاميون في
حركة التوحيد والإصلاح بعد أن حاولوا تأسيس حزبهم الخاص، دون أن تقبل
الدولة بذلك.


أما حزب العدالة والتنمية التركي، فقد تأسس سنة 2001
بعد استمرار الدولة في حظر الأحزاب الإسلامية، ومنها حزب الفضيلة، الذي
انشقت عنه مجموعة من الشخصيات منهم رجب طيب أردوغان وعبد الله غل.


كما يشترك حزبا العدالة والتنمية التركي والمغربي في
كونهما خرجا من رحم الحركة الإسلامية القريبة من فكريا الإخوان المسلمين.
ورغم أن البعض يعتبرهما من الإخوان المسلمين لكن يؤكد الحزبان في كل مناسبة
أنهما لا ينتميان إلى هذا التنظيم العالمي؛ فأغلب القيادات المؤسسة للحزب
التركي تكونت في حركة “الملي غوروش” أي حركة الفكر الوطني التي كان يتزعمها
نجم الدين أربكان مهندس الحركة الإسلامية التركية.


أما الحزب المغربي فقد تشكل من انطلاقا حركة التوحيد
والإصلاح بعد أن اندمج بعض أعضائها مع حزب الحركة الشعبية الدستورية
الديمقراطية سنة 1996، وفي عام 1998 قرر الحزب تغيير اسمه إلى حزب العدالة
والتنمية، واتخذ المصباح رمزًا انتخابيا له.


وما لا يعرفه الكثيرون أن حزب العدالة والتنمية
المغربي كان سابقا في اختيار هذا الاسم وفي استعمال رمز المصباح لنظيره
التركي، وبحسب ما صرح به الدكتور المقرئ الإدريسي أبو زيد عام 2012 – وهو
أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية المغربي- فقد زار المغرب بشكل سري مجموعة
من قيادات حزب الفضيلة التركي، والنواب المنشقين عن حزب الفضيلة الإسلامي
الذي تم حله بقرار صدر من المحكمة الدستورية التركية في 22 حزيران/يونيو
2001 ، حيث كانوا يمثلون جناح المجددين في حزب الفضيلة.


وبعد ستة أشهر من هذه الزيارة للمغرب أسس رجب طيب أردوغان وبعض رفاقه وكان عدد الأعضاء المؤسسين آنذاك 63 شخصا حزب العدالة والتنمية التركي. واختاروا له نفس الاسم ونفس رمز المصباح مؤكدين انفصالهم عن “شيخهم” نجم الدين أربكان.


انتخب رجب طيب أردوغان رئيس بلدية إسطنبول السابق
وأحد البارزين في الحركة السياسية الإسلامية في تركيا أول زعيم للحزب، شكل
هذا الحزب الجناح الإسلامي المعتدل في تركيا، ويحرص على ألا يستخدم
الشعارات الدينية في خطاباته السياسية، ويؤكد أنه لا يحبذ التعبير عن نفسه
بأنه حزب إسلامي.


فهو حزب يحترم الحريات الدينية والفكرية ومنفتح على
العالم ويبني سياساته على التسامح والحوار، ويؤكد عدم معارضته للعلمانية
والمبادئ التي قامت عليها الجمهورية التركية، كما يؤيد انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ويؤكد أنه سيواصل تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يجري تطبيقه في تركيا.


ويركز الحزب في رؤيته السياسية على أنه ديمقراطي محافظ، يسعى إلى تطوير الديمقراطية في تركيا ونشرها
في المنطقة، ويشير مصطلح” الديمقراطية المحافظة” الذي ركز عليه إلى
المحافظة على القيم والتقاليد والإرث التاريخي للدولة التركية، بما يتوافق
بالضرورة مع التحديث والتقدم.


ويقدم أردوغان نفسه على أنه ليس رئيسا ذا توجه
إسلامي، حيث وُصف خطابه الشعبي يتميز بالسلس والشامل ويخاطب جميع فئات
المجتمع، وكل التيارات السياسية باختلافاتها مثل الإسلاميين والعلمانيين
والقوميين، ويخاطب كذلك جميع القوميات، ويعتبر أن حزبه علماني اجتماعي
محافظ. وقد صاغ أردوغان العلمانية التركية بشكل خاص حيث يعتبرها مبدأ من
مبادئ الحرية التي تنظم الدولة لا الأفراد.


أما حزب العدالة والتنمية المغربي، فإنه يتميز
بقاعدة مهمة في عمله عن الجماعة أو كما يطلق عليها في المغرب بالحركة، التي
يوجد مجموعة من مؤسسيها في قيادة الحزب، بفصل الدعوي عن السياسي ويطلق
عليه مصطلح التمايز والشراكة.


يشترك حزب العدالة والتنمية التركي مع المغربي في
كونهما لا يعتبران نفسيهما حزبين إسلاميين رغم أن الحزب المغربي يحرص على
أنه ذو مرجعية إسلامية.


صيغة فصل الدعوي عن السياسي التي اعتمدتها حركة
التوحيد والإصلاح في علاقتها بحزب العدالة والتنمية في المغرب، تتحدد
بكونها علاقة شراكة استراتيجية بين هيئتين مستقلتين، ضمن مشروع إصلاحي واحد
تتعدد مداخله، في إطار وحدة المشروع بدل وحدة التنظيم.


وهي القاعدة التي تأسس في إطارها حزب العدالة
والتنمية، وأعطته الفرصة لبناء رؤيته وممارسته السياسية في استقلال عن
الحركة، وجعلته يختار ويؤكد في وثائقه الاشتغال بالشأن العام وبالسياسات
العمومية، وجعلت الحركة تركز في اهتماماتها على الجانب الدعوي والتربوي.



جاء ذلك في تقرير صادر عن مركز “إدراك” للدراسات
والاستشارات، تحت عنوان “التسويق السياسي عند حزبي العدالة والتنمية
التركي والمغربي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى