سلايدمجتمع

“شجرة الأركان” النادرة على يد المرأة القروية في جبال سوس.


مع صياح الديك وآذان الفجر ، تستيقظ “فاضنة” لبداية صباح جديد وبداية
أجندة جديدة، فهي تسابق الزمن لإيقاظ كل من رقية و أنير، وإعداد وجبة
الفطور ، قبل التوجه للمدرسة التي تبعد عن المنزل مسافة طويلة.

تطل علينا شمس ساطعة بين ثنايا هضاب حاحا العريقة، والتي لا يخفى
على أهل سوس بمعرفتها بمهد المقاومة للاستعمار وثرات فن احواش الحربي ،
حاحا أو إحاحان كما يطلق عليها السوسيون الأمازيغيون الأحرار يطبع عليهم
الوقار والحشمة وحسن الضيافة والكرم ، وهو نفسه الذي وجدنه في بيت “فاضمة” ،
والتي يعرفها اهل الدوار بالمثابرة والمجدة في العمل اليومي، والمكافحة
لأعباء الحياة اليومية ، والمطيعة لزوجها وفلذات كبدها.

اليوم وفي هاته الحلقة سنسلط الضوء بإمعان عن حياة فاضمة اليومية بشكل
عام، ومصدر قوتها بشكل خاص ، ف”فاضنة” ككل نساء الدوار مع حلول الصيف ،
فالنشاط الموحد لديهن هو جني ثمار شجر الأركان في الغابات المجاورة ، فبعد
إطلاق صيحة إنتهاء تقنين غابة الاركان “أكدال”، فقد تسابقت النساء مع
إطلالة الصباح، فالكل يجمع الاكياس وسطل وقارورات ماء ملفوفة الثياب ، تفوح
منه رائحة القطران ، مائها يضمأ الرياق في ظل ارتفاع الحرارة ، اما فاضمة
فقد استجمعت كل المستلزمات ووضعتها بجوانب الدابة ، وعود قصب طويل بيدها.

ترافق فاضنة في طريقها مجموعة من النساء وأملهن، أن يعدن إلى
منازلهن بثمار وفيرة، تصلن وسط الغابة وبين أشجار كثيفة ومتجعدة ، تنزل
فاضمة من على ظهر الدابة ، وتفرغ “الشواري” من المحتويات وأدوات العمل ،
وتربط بإحكام الدابة مع جدع شجرة الأركان ، لتقوم بجولة خاطفة عن الأشجار
ذات الحمولة الكبيرة للثمار وذات الجودة العالية، وكل النساء لها نفس
المنوال والطريقة ، لجني وفير في مكان محدد دون اللجوء لشجيرات ، طالما تجد
أسفلها حبات معدودات لا تمتلأ السلة حيت تخيط الغابة عرضا وطولا.

وبالفعل يبدأ الجني في البداية بالثمار الجافة والتي تكون خفيفة
الوزن ، غير مكلفة للجهد والتعب ، مقارنة مع الثمار غير الناضجة ، والتي
يكون وزنها أثقل من الجافة ، تلتقط المجدة بين الاحجار والحشائش حبات
الأركان وأشعة الشمس الحارة تشعل المكان ، وتنشط صراصير الغابة بأنينها
وتزداد صوتا مع ارتفاع الحرارة ، ما إن تمتلأ السلة تفرغها في الكيس ،
وتستمر العملية إلى أن تمتلأ الأكياس و”الشواري” ، بعدها تروي العطش
وتستريح قليل، قبل حزم الأكياس بالحبال وبإحكام ، إيذانا بالعودة للديار.

تلك نبذة عن مرحلة صغيرة لجني ثمار الأركان ، حيث يستمر المسلسل ،
بوضع المحصول بسطوح المنزل أو بفناء الحصاد ، لأسابيع قصد التجفيف والتيبيس
، وتقوم بقلب الثمار كي تجف من جهة أخرى.

فبعد فترة الغداء تقوم المكافحة بتقشير ثمار الأركان في مرحلتها
الاولى ، يحتفظ فيه القشور للماشية قصد العلف ، فيما يتم تكسير الباقي من
الحبات، حيث يظهر لب أبيض يميل للأصفر ، بعد انتهاء مرحلة التكسير ، تأتي
مرحلة فرز البذور البيضاء من جهة ومخلفات الحبات جانبا لاستعمالها لطهي
الخبز.

تتحدث “فاضمة” وهي لا تزال تكافح لأجل لقمة العيش “بالنسبة لي هذا
العمل أقوم به بشكل يومي ، استمدته من عائلتي أما عن جدة ، فهو مصدر عيشنا ،
فقد أنعمنا الله على غير عباده بربوع العالم بهاته الشجرة المباركة ، فنحن
السوسيات محظوظات بهاته الشجرة فهي كل الشيء ، هي التدفئة هي الطهي هي
الأكل هي العلف ومصدر عيشنا”

تسترسل في الكلام وهي تحمص بذور الاركان فوق النار بعظم يابس، “نحن
الامازيغ وشجرة الأركان لنا روابط وتقاليد وعادات تؤكد أننا في هم السكان
الأصليون” ، تبتسم وطابع الافتخار بالانتماء يحرك فيها دماء الحياة ، ويزيل
عنها عبء الحياة.

تبدأ المرحلة ما قبل الأخيرة وهي طحن البذور المحمصة مباشرة في
طاحونة حجرية ، يسيل منها خليط بني مفتوح ، بعدها تأتي المرحلة الأخيرة ،
تقدم “فاضنة” على تفريغ الخليط في إيناء كبير ، يتم تحريكه مع إضافة بعضٍ
من الماء الدافئ ، شيئا فشيئا ، حتى تبدأ العجينة بالتصلب ، بعدها مع العمل
المتواصل تظهر بوادر زيت الأركان تطفو بين قطع العجينة ، وفي الأخير يتم
تعصير العجائن بشكل دائري لإستخراج مزيد من الأركان ، يجمع في القنينة.

“فاضمة” هل أنهيت عملك اليوم ؟ فتجيب” بالطبع يوم رائع، سوف ابيع
هذا الليتر من الأركان في السوق قصد التبضع وقضاء حاجيات المنزل ، لكن رغم
ذلك فثمن اللتر اصبح منخفضا بسبب وفرته في فترة الصيف ، كما أن المقتنون
لزيت الأركان يظنون أننا نجلب ثماره من الغابة بالمجان ، وذلك فضل في كل
المناحي ، ولا يعرفون كم من يوم ستحصد خمس قدر للبذور لاستخراج الاركان ،
ولا يعلمون ان سبعة مراحل نتناوب عليها ، من الجني إلى التجفيف تم التجميع ،
إلى التقشير ثم التكسير ، والفرز والتمحيص ، الطحن وأخيرا تعصير العصارة،
فلا يعرف الثمن الحقيقي لذلك إلى الاجانب ، فهم يؤدون ضعف الثمن”

تعود فاضمة للبيت لتنهمك فإكمال برمجة اليوم دون كل ولا ملل.

نغادر حاحا جنوبا صوب جبال إداوتنان ، حيث الطبيعة المتنوعة تغلب
عليها تضاريس وعرة وجو مختلف ، سكن يختلف عن مناطق حاحا ، نساء إداوتنان
متحضرات بعض الشيء في مجال زيت الأركان ، فهن إلتأمن في تعاونيات وجمعيات
ليستفذن من الدعم العمومي أيضا ، لكن إكراهاتهن يختلف نوعا ما، فتسويق
المنتوج يحتاج لمعارض ولشركات تشتري زيوت الأركان بكميات أكبر ، فالتسويق
هنا لا يقتصر على الزيت الخاص للأكل ، بل الزيت المركز ، ويتخرج من الاركان
دون تمحيصه ، وهذا النوع باهض الثمن ، لأنه يتطلب محصولا مضاعفا من البذور
على غرار البذور المحمصة في النار.

زرنا إحدى التعاونيات لتسويق الأركان ، ورحبت بنا منخرطات التعاونية
، لاحظنا عمل جماعيا على شكل خلية نحلة ، سائلنا رئيسة التعاونية ، عن
الدعم المقدم وكذا اجور العاملات والراوج الإقتصادي للتعاونية ، وأوضحت
“العمل بالتعاونية عمل مضن وشاق فأنا لي مصاريف كثيرة يجب استخلاصها ، ودعم
التعاونيات أجرأته ثعبة ومعقدة ، والدعم أصلا قليل ، ونحن نقتصر في
الترويج لمنتوجاتنا في المعارض المحلية والجهوية ، نتعرف فيها على زبناء من
انحاء المغرب وخارج”

ما الذي يؤثر عليكن بخصوص التسويق ؟ تجيب الرئيسة “ما يكسر شوكتنا
نحن النساء البدويات هن الشركات التي تشتري بأقل ، وتقوم تخصيب الزيت من
المركز إلى المخفف ، عبر الغش وإضافة زيت المائدة وبعض الملونات من شاي ،
وهذا يضر بنا نحن التعاونيات ، وككل نساء المثابرات لأجل لقمة عيش كريمة ،
نحن السوسيات الامازيغيات محافظات لا نرضى بأعمال الغش في هذا الشأن ، وهذا
يضرب بسمعة شيء نملك نحن السوسيون بشكل منفرد على صعيد العالم ، لذلك وجب
محاربة هؤلاء المتملصين على هذا القطاع ، آملين أيضا أن يعتني المسؤولون
بهاته الشجرة من الإندثار ، خصوصا وأن مساحات واسعة سلبت أو زحف عليها
الشكل العمراني للإسمنت ، ولا ننسى خطر الرعي الجائر للإبل والرحل.

إنجاز : سناء لماني. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى