ليس غريبا أن يخص ملك البلاد محمد السادس رئيس الحكومة السابق عبد الإله
ابن كيران بعطفه، على خلفية ما تناهى إلى علمه من كونه يمر بظروف مالية
صعبة أصبح معها وفق ما صرح به هو نفسه “ما دون البغل وفوق الحمار”، وأن
يأمر بصرف معاش استثنائي له بقيمة 90 ألف درهما شهريا ابتداء من شهر يناير
2019. كيف لا وهو الذي دأب منذ توليه الحكم على القيام بمثل هذه الالتفاتات
الإنسانية الكريمة مع رعاياه الأوفياء من فنانين ورياضيين وسياسيين… كلما
ألمت بأحدهم ضائقة مادية أو استبد به المرض وانسد أمامه الأفق؟
ولا يمكن للمغاربة إلا أن يثمنوا عاليا هذه المبادرات الملكية الطيبة،
عندما يتعلق الأمر بمن يستحقها وفي أمس الحاجة إليها من “خدام الدولة”
وغيرهم من المواطنين. ولأن من شيمهم العفو عند المقدرة وعدم القبول بمذلة
أحد مسؤوليهم السابقين أو التشفي في تدهور أحواله، فلن تضرهم في شيء
استفادة ابن كيران على غرار سابقيه. لكنهم يرفضون أن يقارن نفسه بالأستاذ
المجاهد عبد الرحمان اليوسفي الكاتب الأول السابق لحزب “الاتحاد
الاشتراكي”، الذي يعد من الرجال القلائل الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه،
لما يحمله على ظهره من تاريخ مشرف وقدمه من تضحيات في مقاومة المستعمر
والمعارضة السياسية، من غير أن يفرط يوما في مبادئه أو يلهث خلف مصالحه
الشخصية أو الحزبية، مرجحا كفة المصلحة العليا للوطن. ويحسب له قيامه فور
تعيينه وزيرا أولا بإصلاحات عميقة ومستعجلة لمواجهة الأزمة الاقتصادية دون
المس بجيوب المواطنين، وقدرته على تقليص المديونية والرفع من معدل النمو،
الذي بات في عهد حكومتي “الإخوان” يعرف انخفاضا متواصلا إلى جانب ارتفاع
مهول للمديونية، وتزايد معدلات الفقر والبطالة والأمية وحدة الفوارق
الاجتماعية والمجالية. لم يساهم في تمييع الحياة السياسية عبر مهاجمة خصومه
السياسيين أو الإساءة إلى أحد من أمناء الأحزاب سواء في المعارضة أو
الأغلبية. ويرفضون بقوة أن يعود لاستغفالهم رجل اعتقدوا أنهم تخلصوا من
“ضجيجه” و”فنطازيته”، بعد أن ظل جاثما على صدورهم مدة خمس سنوات من الظلم
والقهر والكذب والمغالطات والتباكي، رقص خلالها بانتشاء مفرط على همومهم
و”جماجهم” وأذاقهم من المرارة ألوانا لم يسبقه إليه أحد حتى في أحلك
الظروف، بما اتخذه من قرارات جائرة ولا شعبية، تمثلت في تحرير المحروقات
و”إصلاح” صندوق المقاصة، وما ترتب عنهما من تداعيات ضربت القدرة الشرائية
للمواطنين أمام تجميد الأجور وتعطيل قنوات الحوار الاجتماعي مع المركزيات
النقابية، والإجهاز على أهم المكتسبات، كنسف الوظيفة والمدرسة العموميتين،
الحرمان من حق الإضراب بالاقتطاع اللامشروع من أجور المضربين، وإسعاف
صناديق التقاعد المنهوبة على حساب الأجراء عبر الزيادة في سن التقاعد إلى
63 سنة والرفع من نسبتي الاقتطاعات والمساهمات إلى 14 بالمائة، واعتماد
متوسط أجر الثماني سنوات الأخيرة في احتساب معاش التقاعد… فهل بعد كل ما
بصم عليه من “اعتداءات” على القوت اليومي للمغاربة، يريد معرفة مصدر المشكل
الذي أثار استياءهم وغضبهم؟ فبالعودة إلى أشرطته الموثقة بالصورة والصوت
بالشبكة العنكبوتية، تتضح جليا ازدواجية الخطاب والممارسة، حين كان ينتقد
بشدة تقاعد الوزراء والبرلمانيين والمطالبة بإلغائه، باعتباره ريعا سياسيا،
مستدلا في ذلك بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه مخاطبا بطنه: “غرغري أو لا
تغرغري، فوالله لن تذوقي زيتا ولا سمنا حتي يشبع فقراء المسلمين”. فهل شبع
فقراء البلاد؟ وماذا تغير اليوم ليتحول وأعضاء عشيرته إلى أكبر المطبعين
مع الفساد والمتسترين على اقتصاد الريع، وأشد المشجعين على المحسوبية في
التعيينات بالمناصب العليا، والأكثر دفاعا عن تعدد الأجور والتعويضات
البرلمانية والامتيازات الحكومية والمعاشات الاستثنائية؟ وطبيعي جدا ألا
يصدقوا ادعاءه “الإفلاس” على بعد عامين فقط من عزله، وتمتعه بمنحة “سمينة”
عن نهاية “الخدمة” وتقاعد مريح. لاسيما أنه لا يغادر بيته/زاويته ولا يأتي
“فواحش” تستنزف جيبه وتغضب أم عياله. ثم أين نحن من التصريح بممتلكاته لدى
المجلس الأعلى للحسابات، وتصنيف المجلة الأمريكية الشهيرة “فوريس”،
المتخصصة في ترتيب أثرياء العالم وتتبع أخبارهم، التي وضعته في المرتبة
السادسة بثروة تناهز 565 مليون دولار أمريكي، خلف القيادي ووزير الدولة
المكلف بحقوق الإنسان مصطفى الرميد ب”600” مليون دولار أمريكي؟ وحسب
العارفين بخبايا الأمور ونشطاء الفضاء الأزرق، الذين لم تعد تخفى عنهم
صغيرة ولا كبيرة في البر والبحر، لابن كيران عدة ممتلكات تدر عليه أموالا
طائلة تغنيه عن مد اليد، منها مؤسستان للتعليم الخاص بمدينة سلا، “أرض
السلام 1″ للتعليم الأولي والإعدادي تضم مئات المتعلمات والمتعلمين، يؤدون
واجبا شهريا يتراوح ما بين 650 و1200 درهما، و”أرض السلام 2″ للتعليم
الثانوي التأهيلي ب”1600” درهما شهريا. فإلى أين تذهب كل تلك المداخيل؟
ولنفترض جدلا أنه لسبب ما فقد “ثروته”، ألم يكن حريا به تدبر قوله تعالى:
“ويؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة” والاقتداء بالأستاذ الشهم عبد
الله ابراهيم، الذي أعاد للدولة شيكا بمبلغ 3 ملايير، رافضا الاستفادة من
“معاش استثنائي”؟ فلتنتعش حسابات ابن كيران البنكية ويرقص منتشيا ب”صيده
الثمين”، لكن عليه أن يحاول ما أمكن التوقف عن ألاعيبه المكشوفة، والتصدي
للغرور الملازم له كظله حتى لا يقوده إلى مزيد من الغطرسة والاستفزاز. فقد
تكون “الهبة الملكية” رسالة مشفرة تدعوه إلى الانكماش والدخول في مرحلة
التقاعد السياسي، وليست مكافأة كما يتوهم. إذ لو كان مؤهلا للقيادة، ما كان
ليتم الاستغناء عنه من رئاسة الحكومة ولا من الأمانة العامة لحزبه.
ابن كيران بعطفه، على خلفية ما تناهى إلى علمه من كونه يمر بظروف مالية
صعبة أصبح معها وفق ما صرح به هو نفسه “ما دون البغل وفوق الحمار”، وأن
يأمر بصرف معاش استثنائي له بقيمة 90 ألف درهما شهريا ابتداء من شهر يناير
2019. كيف لا وهو الذي دأب منذ توليه الحكم على القيام بمثل هذه الالتفاتات
الإنسانية الكريمة مع رعاياه الأوفياء من فنانين ورياضيين وسياسيين… كلما
ألمت بأحدهم ضائقة مادية أو استبد به المرض وانسد أمامه الأفق؟
ولا يمكن للمغاربة إلا أن يثمنوا عاليا هذه المبادرات الملكية الطيبة،
عندما يتعلق الأمر بمن يستحقها وفي أمس الحاجة إليها من “خدام الدولة”
وغيرهم من المواطنين. ولأن من شيمهم العفو عند المقدرة وعدم القبول بمذلة
أحد مسؤوليهم السابقين أو التشفي في تدهور أحواله، فلن تضرهم في شيء
استفادة ابن كيران على غرار سابقيه. لكنهم يرفضون أن يقارن نفسه بالأستاذ
المجاهد عبد الرحمان اليوسفي الكاتب الأول السابق لحزب “الاتحاد
الاشتراكي”، الذي يعد من الرجال القلائل الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه،
لما يحمله على ظهره من تاريخ مشرف وقدمه من تضحيات في مقاومة المستعمر
والمعارضة السياسية، من غير أن يفرط يوما في مبادئه أو يلهث خلف مصالحه
الشخصية أو الحزبية، مرجحا كفة المصلحة العليا للوطن. ويحسب له قيامه فور
تعيينه وزيرا أولا بإصلاحات عميقة ومستعجلة لمواجهة الأزمة الاقتصادية دون
المس بجيوب المواطنين، وقدرته على تقليص المديونية والرفع من معدل النمو،
الذي بات في عهد حكومتي “الإخوان” يعرف انخفاضا متواصلا إلى جانب ارتفاع
مهول للمديونية، وتزايد معدلات الفقر والبطالة والأمية وحدة الفوارق
الاجتماعية والمجالية. لم يساهم في تمييع الحياة السياسية عبر مهاجمة خصومه
السياسيين أو الإساءة إلى أحد من أمناء الأحزاب سواء في المعارضة أو
الأغلبية. ويرفضون بقوة أن يعود لاستغفالهم رجل اعتقدوا أنهم تخلصوا من
“ضجيجه” و”فنطازيته”، بعد أن ظل جاثما على صدورهم مدة خمس سنوات من الظلم
والقهر والكذب والمغالطات والتباكي، رقص خلالها بانتشاء مفرط على همومهم
و”جماجهم” وأذاقهم من المرارة ألوانا لم يسبقه إليه أحد حتى في أحلك
الظروف، بما اتخذه من قرارات جائرة ولا شعبية، تمثلت في تحرير المحروقات
و”إصلاح” صندوق المقاصة، وما ترتب عنهما من تداعيات ضربت القدرة الشرائية
للمواطنين أمام تجميد الأجور وتعطيل قنوات الحوار الاجتماعي مع المركزيات
النقابية، والإجهاز على أهم المكتسبات، كنسف الوظيفة والمدرسة العموميتين،
الحرمان من حق الإضراب بالاقتطاع اللامشروع من أجور المضربين، وإسعاف
صناديق التقاعد المنهوبة على حساب الأجراء عبر الزيادة في سن التقاعد إلى
63 سنة والرفع من نسبتي الاقتطاعات والمساهمات إلى 14 بالمائة، واعتماد
متوسط أجر الثماني سنوات الأخيرة في احتساب معاش التقاعد… فهل بعد كل ما
بصم عليه من “اعتداءات” على القوت اليومي للمغاربة، يريد معرفة مصدر المشكل
الذي أثار استياءهم وغضبهم؟ فبالعودة إلى أشرطته الموثقة بالصورة والصوت
بالشبكة العنكبوتية، تتضح جليا ازدواجية الخطاب والممارسة، حين كان ينتقد
بشدة تقاعد الوزراء والبرلمانيين والمطالبة بإلغائه، باعتباره ريعا سياسيا،
مستدلا في ذلك بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه مخاطبا بطنه: “غرغري أو لا
تغرغري، فوالله لن تذوقي زيتا ولا سمنا حتي يشبع فقراء المسلمين”. فهل شبع
فقراء البلاد؟ وماذا تغير اليوم ليتحول وأعضاء عشيرته إلى أكبر المطبعين
مع الفساد والمتسترين على اقتصاد الريع، وأشد المشجعين على المحسوبية في
التعيينات بالمناصب العليا، والأكثر دفاعا عن تعدد الأجور والتعويضات
البرلمانية والامتيازات الحكومية والمعاشات الاستثنائية؟ وطبيعي جدا ألا
يصدقوا ادعاءه “الإفلاس” على بعد عامين فقط من عزله، وتمتعه بمنحة “سمينة”
عن نهاية “الخدمة” وتقاعد مريح. لاسيما أنه لا يغادر بيته/زاويته ولا يأتي
“فواحش” تستنزف جيبه وتغضب أم عياله. ثم أين نحن من التصريح بممتلكاته لدى
المجلس الأعلى للحسابات، وتصنيف المجلة الأمريكية الشهيرة “فوريس”،
المتخصصة في ترتيب أثرياء العالم وتتبع أخبارهم، التي وضعته في المرتبة
السادسة بثروة تناهز 565 مليون دولار أمريكي، خلف القيادي ووزير الدولة
المكلف بحقوق الإنسان مصطفى الرميد ب”600” مليون دولار أمريكي؟ وحسب
العارفين بخبايا الأمور ونشطاء الفضاء الأزرق، الذين لم تعد تخفى عنهم
صغيرة ولا كبيرة في البر والبحر، لابن كيران عدة ممتلكات تدر عليه أموالا
طائلة تغنيه عن مد اليد، منها مؤسستان للتعليم الخاص بمدينة سلا، “أرض
السلام 1″ للتعليم الأولي والإعدادي تضم مئات المتعلمات والمتعلمين، يؤدون
واجبا شهريا يتراوح ما بين 650 و1200 درهما، و”أرض السلام 2″ للتعليم
الثانوي التأهيلي ب”1600” درهما شهريا. فإلى أين تذهب كل تلك المداخيل؟
ولنفترض جدلا أنه لسبب ما فقد “ثروته”، ألم يكن حريا به تدبر قوله تعالى:
“ويؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة” والاقتداء بالأستاذ الشهم عبد
الله ابراهيم، الذي أعاد للدولة شيكا بمبلغ 3 ملايير، رافضا الاستفادة من
“معاش استثنائي”؟ فلتنتعش حسابات ابن كيران البنكية ويرقص منتشيا ب”صيده
الثمين”، لكن عليه أن يحاول ما أمكن التوقف عن ألاعيبه المكشوفة، والتصدي
للغرور الملازم له كظله حتى لا يقوده إلى مزيد من الغطرسة والاستفزاز. فقد
تكون “الهبة الملكية” رسالة مشفرة تدعوه إلى الانكماش والدخول في مرحلة
التقاعد السياسي، وليست مكافأة كما يتوهم. إذ لو كان مؤهلا للقيادة، ما كان
ليتم الاستغناء عنه من رئاسة الحكومة ولا من الأمانة العامة لحزبه.
اسماعيل الحلوتي