من يعتقد أن تكلفة التعليم باهظة، فليجرب الجهل) ديريك بوك
شرع مجلس النواب في مناقشة القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية
والتكوين، كان الحوار مفتوحا، تحكمه ظاهريا نقط خلاف تبدو حادة، لكن في
عمقها لم تكن سوى خلافات افتراضية تركزت حول نقطتين أساسيتين هما: لغة
التدريس، وطرق تمويل التعليم العمومي.
ففي الموضوع الأول، تشدد المدافعون عن اللغة العربية، ومنهم من أضاف حتى
اللغة الأمازيغية، وطالبوا بضرورة إعطائها دورا مركزيا في العملية
التعليمية، بينما الرأي الثاني، فلم يلغي مطلقا دور اللغة العربية، ولكنه
ركز كذلك على أهمية إعمال اللغات الأجنبية.
لذلك نجد أن هناك اتفاقا على اللغة العربية، وبعض من خلاف حول التعامل
مع اللغات الأجنبية، وهذا النقاش يحيلنا حتما على السؤال الأساسي التالي:
هل تعليم المواد العلمية والتقنية يمكن أن يتم باللغة العربية؟ أم أنه
لضرورة المرحلة ولطبيعتها يجب تعليمها بلغات أخرى؟
أعتقد أن الجواب على هذه الأسئلة سابق لأوانه، لأن طبيعة القانون الإطار
تفرض علينا اختيار الكلمات بدقة عند الحديث عن اللغة العربية أو عن اللغات
الأجنبية الأخرى، فلكلاهما دور محوري في التعليم المستقبلي، فنحن نحتاج
إلى اللغة العربية لأنها ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، وإلى اللغات الأجنبية
لأنها انفتاح وتفاعل مع الحضارات الأخرى.
فالموضوع اليوم لا يحتاج إلى التعامل معه بنوع من السياسوية، إذ النزاهة
تقتضي أن نتعامل مع هتين القضيتين بشكل موضوعي، فهؤلاء أبنائنا، والأمر
يتعلق ببناء شخصيات للمستقبل أكثر انفتاحا وأكثر إلماما بعلوم الآخرين
وبثقافاتهم، لأننا نعيش مع الآخرين وليس لوحدينا.
أما الموضوع الخلافي الثاني، فهو الحديث عن تمويل العملية التعليمية،
وأعتقد أن الخلاف هنا نتج عن التباين في فهم الفصل القانوني الذي يتحدث عن
التمويل داخل هذا القانون، حيث ثم التعامل مع هذا الفصل بكثير من الحذر
والتخوف، وكانت الأسئلة تتناسل بين التدخلات وتختزل كلها في: من سيؤدي؟
وكيف سيؤدي؟ وبالخلاصة من سيتحمل مصاريف التعليم مستقبلا، هل نحملها للأسر
وحدها؟ أم للدولة والجماعات الترابية وغيرها؟ أم للأسر والدولة معا؟
إن هذا الموضوع لم يحكمه التحليل العميق حتى نتموقف منه بشكل موضوعي، بل
إن مواقف المتدخلين تضاربت بين السؤال والشعور بالانتماء الاجتماعي، وفي
كثير من الأحيان تم التعامل مع الإشكال بنوع من التنصل من مسؤولية اتخاذ
القرار، ربما توجسا من ردود فعل الشارع الذي بدأ يتخوف من إضفاء تكلفة
جديدة على قدرته الشرائية المنهكة أصلا.
في الحقيقة، أن النص القانوني جاء مبهما، فهو تحدث تارة عن مواصلة
الدولة مجهودها في تعبئة الموارد وتوفير الوسائل اللازمة للتمويل، وتارة
أخرى تحدث عن تنوع مصادر التمويل، وعن الأسر الميسورة، غير أنه لم يتطرق
إلى مفهوم هذا التنوع وإلى مفهوم الميسور وغير الميسور، مما سينقل لامحالة
هذا النقاش إلى المراسيم التطبيقية التي سيتم من خلالها تنفيذ هذا القانون
الإطار.
وبالوقوف على التجارب الدولية في مجال تمويل التعليم، نجد أن هناك دولا
أضافت ضريبة خاصة سمتها ضريبة التعليم على جميع الملزمين ضريبيا، وهناك دول
أخرى استندت على مبدأ الدخل وحجم الملكية والتصريح الضريبي، استنادا على
مبدأ الأثرياء يؤدون من أجل الفقراء، وغيرها من التجارب الدولية التي يمكن
الاستفادة منها، أثناء مقاربة الإشكال المالي في التعليم. ولكن في الحقيقة
هل أزمة التعليم تختزل في هذين الموضوعين “اللغة والتمويل”؟ أم أن الأزمة
تكمن في الموارد البشرية وفي طبيعة الرؤية التي نحملها لمدرستنا وجامعتنا؟
أم أننا نناقش موضوعا حساسا بعقلية الصراع السياسي والحسابات الانتخابية
المثيرة للتقزز.
شرع مجلس النواب في مناقشة القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية
والتكوين، كان الحوار مفتوحا، تحكمه ظاهريا نقط خلاف تبدو حادة، لكن في
عمقها لم تكن سوى خلافات افتراضية تركزت حول نقطتين أساسيتين هما: لغة
التدريس، وطرق تمويل التعليم العمومي.
ففي الموضوع الأول، تشدد المدافعون عن اللغة العربية، ومنهم من أضاف حتى
اللغة الأمازيغية، وطالبوا بضرورة إعطائها دورا مركزيا في العملية
التعليمية، بينما الرأي الثاني، فلم يلغي مطلقا دور اللغة العربية، ولكنه
ركز كذلك على أهمية إعمال اللغات الأجنبية.
لذلك نجد أن هناك اتفاقا على اللغة العربية، وبعض من خلاف حول التعامل
مع اللغات الأجنبية، وهذا النقاش يحيلنا حتما على السؤال الأساسي التالي:
هل تعليم المواد العلمية والتقنية يمكن أن يتم باللغة العربية؟ أم أنه
لضرورة المرحلة ولطبيعتها يجب تعليمها بلغات أخرى؟
أعتقد أن الجواب على هذه الأسئلة سابق لأوانه، لأن طبيعة القانون الإطار
تفرض علينا اختيار الكلمات بدقة عند الحديث عن اللغة العربية أو عن اللغات
الأجنبية الأخرى، فلكلاهما دور محوري في التعليم المستقبلي، فنحن نحتاج
إلى اللغة العربية لأنها ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، وإلى اللغات الأجنبية
لأنها انفتاح وتفاعل مع الحضارات الأخرى.
فالموضوع اليوم لا يحتاج إلى التعامل معه بنوع من السياسوية، إذ النزاهة
تقتضي أن نتعامل مع هتين القضيتين بشكل موضوعي، فهؤلاء أبنائنا، والأمر
يتعلق ببناء شخصيات للمستقبل أكثر انفتاحا وأكثر إلماما بعلوم الآخرين
وبثقافاتهم، لأننا نعيش مع الآخرين وليس لوحدينا.
أما الموضوع الخلافي الثاني، فهو الحديث عن تمويل العملية التعليمية،
وأعتقد أن الخلاف هنا نتج عن التباين في فهم الفصل القانوني الذي يتحدث عن
التمويل داخل هذا القانون، حيث ثم التعامل مع هذا الفصل بكثير من الحذر
والتخوف، وكانت الأسئلة تتناسل بين التدخلات وتختزل كلها في: من سيؤدي؟
وكيف سيؤدي؟ وبالخلاصة من سيتحمل مصاريف التعليم مستقبلا، هل نحملها للأسر
وحدها؟ أم للدولة والجماعات الترابية وغيرها؟ أم للأسر والدولة معا؟
إن هذا الموضوع لم يحكمه التحليل العميق حتى نتموقف منه بشكل موضوعي، بل
إن مواقف المتدخلين تضاربت بين السؤال والشعور بالانتماء الاجتماعي، وفي
كثير من الأحيان تم التعامل مع الإشكال بنوع من التنصل من مسؤولية اتخاذ
القرار، ربما توجسا من ردود فعل الشارع الذي بدأ يتخوف من إضفاء تكلفة
جديدة على قدرته الشرائية المنهكة أصلا.
في الحقيقة، أن النص القانوني جاء مبهما، فهو تحدث تارة عن مواصلة
الدولة مجهودها في تعبئة الموارد وتوفير الوسائل اللازمة للتمويل، وتارة
أخرى تحدث عن تنوع مصادر التمويل، وعن الأسر الميسورة، غير أنه لم يتطرق
إلى مفهوم هذا التنوع وإلى مفهوم الميسور وغير الميسور، مما سينقل لامحالة
هذا النقاش إلى المراسيم التطبيقية التي سيتم من خلالها تنفيذ هذا القانون
الإطار.
وبالوقوف على التجارب الدولية في مجال تمويل التعليم، نجد أن هناك دولا
أضافت ضريبة خاصة سمتها ضريبة التعليم على جميع الملزمين ضريبيا، وهناك دول
أخرى استندت على مبدأ الدخل وحجم الملكية والتصريح الضريبي، استنادا على
مبدأ الأثرياء يؤدون من أجل الفقراء، وغيرها من التجارب الدولية التي يمكن
الاستفادة منها، أثناء مقاربة الإشكال المالي في التعليم. ولكن في الحقيقة
هل أزمة التعليم تختزل في هذين الموضوعين “اللغة والتمويل”؟ أم أن الأزمة
تكمن في الموارد البشرية وفي طبيعة الرؤية التي نحملها لمدرستنا وجامعتنا؟
أم أننا نناقش موضوعا حساسا بعقلية الصراع السياسي والحسابات الانتخابية
المثيرة للتقزز.
فعلينا أن ندرك جميعا أن الموضوع يهم مستقبل أبنائنا والذي يتطلب الكثير
من الإرادة، أما الكثير من السفسطة السياسة فمآلها مزبلة الأفكار.