المتوكل يكتب:انحراف توقيت خط غرينيتش
قال أحد الشعراء:” إنما هذه الدُّنيا متاع والسفيه الغوي من يصطفيها ما
مضى فات، والمؤمل غيب، ولك الساعة التي أنت فيها،”أي أن الساعة التي نحن
فيها هي التي لنا، ولكل ساعته، للعاطلين والفلاحين والكادحين والشغيلة
وعموم الفقراء ساعتهم، وللحكومة وللمكتب الوطني للكهرباء والبورصة ساعتهم،
ولخط ” غرينيتش” ساعته.
ويقال “الساعة لله” حسب حالات منها: إذا كان الشخص غاضبا وغير مستعد
لإتمام الحوار، أو يرفض الإستجابة لطلب ما، وقد تعني بالدارجة المغربية ”
بدل ساعة بأخرى”، وفي حالتنا بالعامية وكما يقول العامة ” بحال 7 بحال 8
الله إيعطينا غير الصحة والعافية “
كما يرددها المنشدون والمغنون في الحفلات ” هذي ساعة من ساعات الله .. ”
والقصد أن كل الساعات لله مالك كل شيئ، وتعني أن الساعة المتــغنى بها هي
ساعة من ساعات الورع والتقوى والوجد الصوفي والرحمة الإلهية ..
وتقال ” الساعة” للتعبير عن جزء من الزمن الذي خلقه الله كسائر
المخلوقات، وكرمنا سبحانه بالعقل والهداية لمعرفة قوانين وضوابط الزمن
وعلاقاته بالأمكنة، فأصبحنا قادرين على حساب الوقت والمسافات الزمنية
والأبعاد الأرضية بمعرفة الأيام والشهور والسنوات، ومن بين ما ضبطنا أوقات
الصلوات الخمس، ودققنا مواعيد الأحداث والمناسبات والتاريخ والتزاماتنا مع
الناس، كما تمكنا من معرفة الأزمنة الكونية وحركات الكواكب والظواهر
الفلكية، مع القدرة على احتساب الماضي القديم بملايير السنوات وتوقع نظري
علمي للعمر الإفتراضي المتبقى للشمس ومن ثم الأرض والكائنات الحية …
وتطلق الساعة على لحظة انتهاء العالم وفناء وجود الأكوان والأحياء ،
وهاته كما يقول علماء الدين والفيزياء بأنها آتية لاشك فيها، وينفرد بمعرفة
توقيتها الدقيق الله، حيث تبدل السماوات غير السماوات والأرض غير الأرض
وتطوى الأكوان والمجرات، وهي الحقبة التي سيتغير فيها التوقيت وسيتوقف
الزمن الذي نعرفه اليوم، وهذا ماذهبت إليه نظرية ” الإنفجار العظيم”…
قال تعالى: (..يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ
ۚ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ۚ وَعْدًا عَلَيْنَا ۚ
إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ..) سورة الانبياء
وقياسا على ذلك فلكل شيئ ساعته ولادة وموتا، أحداثا وتغيرات وتراجعات،
إيجابا وسلبا، نجاحا وإخفاقا، إثباتا أوحذفا، وهذا حال قرار إضافة ساعة
مؤقتا سميت تواطؤا صيفية والحال أنها ربيعية وصيفية وخريفية، فقرار حدفها
نهائيا باعتماد الساعة الفعلية المطابقة لخط “غرينيتش” دون زياة أو نقصان
شيئ، وقرار ترسيمها لتكون دائمة أي أنها ساعة رفعت عنها “المقايسة” مثل ما
فعل بالبترول لتبقى زائدة رغم مخالفتها الواضحة لقانون الزمن ولزمن المكان
..شيئ آخر ..
وفي نفس السياق فلكل موقف واجراء وسياسة حكومية ساعته، كما أن لكل حكومة
ساعتها التي تحكم فيها بما تريد في انتظار ساعة انتهائها وزوالها … قال
تعالى (..وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا
يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ..) سورة الأعراف
إن تدبير الزمن ليس “بالزيادة” فيه و”النقصان” منه، بل بفهم وإدراك
قيمته وقداسته وطرق استغلاله وتوظيفه فيما فيه الصالح العام الذي لايكتمل
إلا بمراعاة مصالح الناس وكرامتهم.. وهكذا نجح الأقدمون في معرفة الدورة
الزمنية لكل أنواع الفلاحات والدورة الإنجابية لكل أنواع الحيونات، واحتساب
المسافات بين المناطق بمعرفة أزمنة النهار والأيام ومراقبة السماء.
إن العلة والتبريرات السابقة التي روج لها منذ تم إقرار هذا التوقيت
بالمغرب انتفت لأنها كانت غير مقنعة للحكومة التي أقرت بأن لهذا التوقيت
سلبياته وان حوالي 68 في المائة من الذين شملتهم الدراسة يرفضون ما يسمى
التوقيت الصيفي.
فإذا كانت العلة في اقتصاد الطاقة، فالحل الأمثل أن تبقى الساعة طبيعية
مطابقة لخط غرينتش وتتغير أوقات الدخول والخروج للعمل صيفا أو طوال السنة.
أما إذا كان للأمر علاقة بالبورصة فليوضع لها نظام عملها الخاص لتفتح مع
مثيلاتها العالمية المعتمدة عندها في الأوقات التي يريدونها ويتركوننا
وشأننا مع ساعتنا وزمننا الخالد الذي سنه الله قانونا وجعل ساعتنا
البيولوجية كبشر وحتى الحيوانات والحشرات مرتبطه به وتتفاعل معه.
وللإشارة فنحن بالمغرب العميق ننهض وفقا لساعتنا البيولوجية المنسجمة مع
الساعة الطبيعية سواء لأداء صلاة الصبح أو لخروج العمال ” للموقف” للحصاد
أو جني الزيتون .. إلخ لانحتاج فيها لا لزيادة ساعة ولا لترسميها، كما أننا
كنا ولايزال البعض منا يعرف وقت الآذان والصلاة بالنظر إلى الشمس والظل
وحتى بالحاسة السادسة، بل ونعلم متى يصيح الديك فجرا، ومتى تبدأ بعض
الطيور في الزقزقة، ونميز بين صياح الديك التواصلي والصياح الذي نظنه
توقيتا لأزمنة مقدسة .. فالعديد من الحيوانات والطيور وحتى بعض المخلوقات
البحرية تدرك وتضبط الوقت والأمكنة غريزيا وفطريا وحتى وراثيا دون أن تتعلم
معنا ماهي ضوابط خط غرينيتش في علاقته بخطوط الطول بكل الكرة الأرضية ولا
دور خطوط العرض.
إن شعبنا بالبوادي لايحتاج لتغيير ساعته بزيادة ساعة حتى يوهم نفسه بأن
النهار أطول من الليل، أو أنهما متساويان، أو أن الليل أطول من النهار، إن
ضياء النهار يعلن عن نفسه، وحاجة الجسد للنوم للساعات الضرورية يحددها نمط
عيش الإنسان والتزاماته ومسؤولياته و .. ثم إن للتطور الذي شهدته
التكنولوجيات الحديثة تأثير واضح على نظام النوم واليقظة وتدبير الزمن.
ونختم بدعوة انفسنا وغيرنا للتخلي عن تغيير أوقات العمل بعدم تقديمها أو
تاخيرها، أي دون زائد 1 أو أكثر، ولا ناقص1. ..واتركوا توقيت الساعة كما
سن الخالق قوانينها في سلام.