برحيل بريس متابعة
انطلق موسم القنص لهذه السنة في السابع من أكتوبر، ومعه شرع هُواة القنص
في التنظيم، وتجديد رخص حمل السلاح، ونفض الغبار عن بنادقهم استعدادا
لرحلات القنص، التي تُبرمج كل يوم أحد وخلال الأعياد الوطنية، طيلة الموسم.
وتكون الغابات والجبال وحتى بعض المناطق السهلية، المعروفة بكثرة “الوحيش”
والطرائد، قبلة لجحافل القناصين المرخص لهم، والذين ينتظم بعضهم في جمعيات
أو شركات للقنص السياحي، التي تؤطر الآلاف من السياح الأجانب الراغبين في
ممارسة رياضة القنص بالمغرب.
وجهة للقنص
وفي
اشتوكة آيت باها ساهمت المساحة الكبيرة للمجال الغابوي، التي تُقدّر
بحوالي 120463 هكتارا، تمثل فيها نسبة التشجير 35 بالمائة من مجموع تراب
الإقليم، أحد العوامل المشجعة على تدفق أفواج من هواة القنص البري نهاية كل
أسبوع، بالإضافة إلى وجود منتزه وطني بسوس ماسة، يمتد على مساحة تقدر
بأكثر من 33800 هكتار، ويتميز بتنوع إيكولوجي استثنائي.
الوضعية
الجغرافية لإقليم اشتوكة آيت باها، وتنوع تضاريسه، وما يتميز به من غنى في
الأنواع النباتية والحيوانية.. كلها عوامل تجعل القطاع الغابوي مؤهلا
للمساهمة في التطور السوسيواقتصادي لهذه المنطقة، عبر عدة عمليات وأنشطة،
ضمنها القنص البري، الذي يُنعشه توفر الغابات على أصناف مهمة من “الوحيش”،
تتميز بوفرتها، منها “وحيش” مستقر (الأرنب البري، الخنزير البري، الحجل،
الحمام)، و”وحيش” مهاجر كاليمام.
فوضى حمل السلاح
مع
بداية موسم القنص، الذي سيمتد حتى نهاية فبراير من السنة المقبلة، تتدفق
على المصالح المختصة طلبات عديدة بمنح تراخيص جديدة أو تجديدها، لكن بعمالة
اشتوكة آيت باها، أكدت مصادر هسبريس أن السلطات الإقليمية صارت حازمة في
منح تراخيص جديدة، بعد أن شهدت السنوات القليلة الماضية تساهلا كبيرا في
تلبية الطلبات في هذا المجال، لاعتبارات لم يعرفها إلا المسؤولون عن قسم
الشؤون الداخلية حينها، في الوقت الذي أجرت المصالح الأمنية والدركية
بالإقليم تحيينا للمعطيات المتوفرة لديها بخصوص مالكي بنادق القنص، حيث
وقفت على أعداد من الأشخاص، الذين يكتفون بحيازة السلاح من غير ممارسة
القنص المرخص. وقد صار لافتا في اشتوكة أن عددا من المسؤولين المنتخبين
باتوا يتنافسون على حمل السلاح، والمشاركة في عمليات القنص، من غير حرج في
استعمال سيارات الدولة في رحلاتهم تلك.
“الحيّاحة” في قلب العملية
وتسهم
رحلات القنص في انتعاش اقتصادي، ولو كان موسميا، في المناطق التي يقصدها
القناصون، فيكون “الحيّاحة” أول المستفيدين. وهم فئة من أبناء المنطقة
المعنية بيوم/ رحلة القنص، والذين لهم دراية واسعة بالمجال الترابي
والتضاريسي، والأماكن التي يُحتمل أن يوجد فيها “الوحيش” بوفرة. كما يكون
دورهم محوريا في إخراج “الوحيش” أو الحيوان البري (الخنزير في الغالب)، من
مخبئه عبر إطلاق أصوات تهز المكان، وكلمات تنتشر في أعالي الجبال، يلتقطها
القناصون، في جو أشبه بساحة حرب، فيُحدّدون، بناء عليها، مسار الحيوان
لتعقّبه وعدم إفلاته من رصاص بنادقهم..
وكل هذه الجهود التي يقوم بها “الحيّاحة” تكون بمقابل مادي يختلف حسب “كفاءة” الشخص “الحيّاح” أو المرشد بصيغة أخرى.
قنص عشوائي
الشائع
أن الطريقة السائدة بالمغرب هي القنص بالسلاح الناري، لكن واقع الحال
يؤكّد أن تجاوزات كثيرة يُقدم عليها القناصون، كاستعمال السيارة كوسيلة
للمطاردة، حيث تتم ملاحقة ورمي الطرائد بالرصاص من داخلها، والقنص
بالمطاردة دون رخصة، واستعمال مقلد الأصوات أو مجسمات الطرائد، واستعمال
الشباك، والمصايد، والضوء، والأكياس، والعصي، والحجر، والقنص ليلا، وغير
ذلك. وهي مخالفات تترصّد لها المصلحة الإقليمية للمياه والغابات باشتوكة
آيت باها، عبر التفعيل المتواصل لمهام الشرطة الغابوية بُغية محاربة كافة
أنواع الصيد المحظورة، بالإضافة إلى تنظيم حملات المراقبة والتحسيس
والتوعية على طول السنة، مع تركيز هذه الأنشطة في الشهر الذي يسبق انطلاق
موسم القنص.
وسبق للمصلحة المذكورة أن حررت محاضر، وتابعت قضائيا
عدة قناصين، ضبطتهم متلبّسين بقنص أصناف محمية كغزال الدوركاس، وأنواع أخرى
من “الوحيش” ممنوع قنصها بموجب اتفاقيات دولية. إذ لا يأبه بعض القناصين
بالمحافظة على مثل هذا الإرث الطبيعي والإيكولوجي.
وفي إطار تنظيم
القطاع، والتصدي لتلك التجاوزات ومكافحتها، تعمل المندوبية السامية للمياه
والغابات ومحاربة التصحر على تشجيع جمعيات القنص للمساهمة في تدبير وتنمية
الطرائد عبر كراء حق القنص للجمعيات النشيطة في المجال.
الخنزير.. العدو
يُصنف الخنزير في خانة “الوحيش” الكبير، وهو يستوطن مناطق عديدة بإقليم
اشتوكة آيت باها، وتصنف مناطقه بالأماكن “السوداء”، لما يسببه هذا الحيوان
البري من خسائر للمزروعات في الواحات والمستغلات الزراعية. وطالب السكان
المتضررون، في إفادات لهسبريس، بتكثيف “الإحاشات” من أجل إبادة هذا
الحيوان، والحد من انتشاره، والسماح للقناصين، خارج موسم القنص، بتكثيف
عمليات قنصه والقضاء عليه، باعتباره “عدوا” لصيقا بهم، على حدّ تعبيرهم.
وكان الموسم الفارط قد شهد إبادة المئات منه، في 57 موقعا، جُند له أزيد من
460 قناصا في اشتوكة.
من أجل تدبير أمثل
إقليم
اشتوكة آيت باها، إذن، يزخر بمؤهلات طبيعية هامة، من أغطية نباتية وغابات،
ووديان، وساحل محيطي ممتد، ومنطقة رطبة فريدة محمية بموجب اتفاقية
“رامسار” الدولية المهتمة بحماية المناطق الرطبة و”الوحيش”. وتوفر كل هذه
المكونات الطبيعية بيئة خصبة لتكاثر “الوحيش” ومجالا للقنص، وهي مفتوحة على
آفاق واعدة إذا ما أحسن تدبيرها، وانخرط المعنيون بقطاع القنص، من جمعيات
ومقاولات للقنص السياحي، في جهود مصالح المياه والغابات، لضمان الحفاظ على
هذا الموروث الطبيعي والإيكولوجي، وفي الوقت نفسه تهيئة الظروف لهواة القنص
المرخّص لهم لممارسة رياضتهم، والذود عن كل ما من شأنه الإخلال بالتوازنات
الطبيعية والحيوانية.