السيول تعزل الدواوير وتنعش الفرشة المائية في حوض المعيدر
عرفت مناطق عدة بالجنوب الشرقي للمغرب، منذ أسابيع، تساقطات مطرية قوية
لم تشهد مثيلا لها منذ عقود من الزمن، أنعشت الفرشة المائية بشكل كبير،
وشجعت الفلاحين على حرث أراضيهم الفلاحية، وكست الأراضي القاحلة بأنواع من
الزهور.
حوض المعيدر من بين المناطق التي عرفت تساقطات مطرية غير
مسبوقة أدت إلى عزل مجموعة من الدواوير عن عالمها الخارجي، وفرضت عليها
سيول الأودية حصارا خانقا، إثر تضرر المسالك الطرقية غير المعبدة المؤدية
إليها.
الأودية تفرض الحصار
كثيرة
هي الدواوير التي تقبع في مثل هذه الظروف المناخية الاستثنائية في حصار
تام، خصوصا تلك الواقعة بالنفوذ الترابي لجماعة تزارين؛ الأمر الذي يعزز
لدى السكان المحاصرين مطلب تعبيد المسالك الطرقية الموصلة إليهم، أو اقتناء
آليات من أجل الإسراع في حل الطرقات كلما انقطعت بسبب السيول.
يكفي
تتساقط أولى قطرات المطر لجعل دواوير أم الرمان، تمساهلت، عبدي المشان،
اكفران، امي نسيت، اسغطس، اللوكمان، تكشتامت، وغيرها من الدواوير الواقعة
بمحاذاة الأودية، معزولة أو شبه معزولة بسبب الأضرار التي تلحق المسالك.
يدير
اعنون، من دوار أسغطس، قال إن “المسلك الطرقي المؤدي إلى الدوار لم يعد
صالحا للاستعمال بسبب الأضرار التي الحقتها السيول به”، مضيفا أن “جماعتي
تزارين وايت بوداود أهملتا هذا المسلك وتركتا السكان يعانون في صمت”، مشيرا
إلى أن المسلك المذكور “يعتبر المنفذ الوحيد للساكنة لقضاء أغراضها
الإدارية والتسوق”، وفق تعبيره.
ولفت المتحدث ذاته، في تصريح مقتضب
لهسبريس، إلى أن “خوف ساكنة المنطقة من العزلة الذي يتكرر مع هطول أولى
قطرات المطر لم يعد يشكل هاجسا لها، لأن تقاعس مسؤولي الجماعتين المذكورتين
هو الهاجس الأكبر”، وفق تعبيره.
من جهته، كشف سعيد بن علي، من
اكفران، أن الساكنة المتواجدة على طول المسلك الطرقي من تولوالت نايت
بوداود إلى امي نسيت تعاني من العزلة منذ أيام، وقال إن “القائمين على
تدبير الشأن المحلي غير قادرين على إيجاد حلول لهذه المشاكل التي تعاني
منها الساكنة سنويا”، مضيفا أن “السلطة المحلية بتزارين تقوم بمجهودات من
أجل تسخير الآليات المتوفرة لفتح المسالك، لكن الوضع يتطلب تضافر الجهود
وعدم الاتكال على السلطة المحلية وحدها”، وفق تعبيره.
الاتهامات
الموجهة إلى المجالس المنتخبة حول عدم التدخل من أجل إعادة فتح المسالك
أمام العموم نفاها محمد فريكس، رئيس المجلس الجماعي لتزارين، معتبرا إياها
“مجرد كلام من أجل التشويش”، قائلا إن “الجماعات المحلية التابعة لقيادة
تزارين تعمل إلى جانب السلطة المحلية قصد فتح جميع المسالك المتضررة من
السيول”.
وأضاف المسؤول الجماعي ذاته، في تصريح لهسبريس، أن “السيول
التي شهدتها المنطقة خلال هذه السنة استثنائية”، واعدا بأن “جميع المسالك
سيتم فتحها في وجه المرور، والجماعة تتابع الوضع عن كثب”، وفق تعبيره.
مواطنون يفكون العزلة عنهم بأنفسهم
نظرا
إلى الخصاص الذي تعرفه الجماعات الترابية لحوض المعيدر على مستوى
اللوجستيك، يعمل عدد من السكان على إصلاح المسالك المؤدية إلى دواويرهم من
أجل الإسراع بفتحها أمام العربات.
حسن اغريب، من دوار تمارغين، قال
إن “ساكنة تمساهلت وأم الرمان وتمارغين تقوم بتعبيد المسالك المؤدية إلى
دواويرها؛ وذلك بعد معاناة كبيرة وطول انتظار المسؤولين المنتخبين الذين
يتعاملون بمنطق الزبونية والمحسوبية في إصلاح المسالك المتضررة”.
وأضاف
المتحدث، في تصريح لهسبريس، أن هذه المسالك التي تقوم الساكنة بإصلاحها
بنفسها وبطرق بدائية “تعرف تدهورا كبيرا وانتشارا واسعا للحفر؛ الشيء الذي
يهدد سلامة المارة”، موضحا أن “الساكنة أصبحت واعية تمام الوعي بأن منطق
السياسوية والحزبية يطغى على مثل هذه التدخلات”.
وندد المتحدث ذاته
بإهمال ولا مبالاة المسؤولين المنتخبين للوضعية “الكارثية” لمجموعة من
المسالك، مشيرا إلى أن “مجموعة من هذه المسالك لم تعد صالحة حتى لاستعمالها
بالدواب وعلى الأرجل”، لافتا إلى أن “الفضل في إعادة فتح عدد منها يعود
إلى الساكنة والسلطة المحلية”، وفق تعبيره.
مستودع الآليات الخاص بحوض المعيدر
وعلاقة
بالموضوع ذاته، يرى عدد من الجمعويين أن الضرورة تستدعي إحداث مستودع
آليات خاص بجماعات حوض المعيدر، وتأسيس مجموعة الجماعات الخمس، قصد تقريب
الآليات منها، وتسخيرها كلما دعت الضرورة، مشددين على أن مجموعة الجماعات
الحالية التي يتمركز مقرها بزاكورة لا يمكنها حل المشكل بحوض المعيدر،
بالنظر إلى المسافة الفاصلة بين الجهتين.
لحسن رابح، منتخب جماعي
فاعل جمعوي بتزارين، قال إن “من بين الملفات التي يجب أن يترافع عليها
رؤساء الجماعات الترابية الخمس المكونة لحوض المعيدر، هو ملف إحداث هذه
المجموعة”، معتبرا أنها ستساهم بشكل كبير في حل مجموعة من الأزمات والمشاكل
التي تتخبط فيها مناطق حوض المعيدر كلما تهاطلت أولى قطرات المطر.
وأضاف
المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن “السياسة المتبعة في إحداث مجموعات
الجماعات السابقة لم تعط أكلها ولا يمكنها أن تحقق أي نتائج إيجابية”،
مرجعا ذلك إلى ما سماه “الاستغلال السياسي والحزبي لآليات الدولة من أجل
ضرب الغير”، ودعا بصفته عضوا بمجلس جماعة تزارين الجماعات المكونة لحوض
المعيدر إلى “إحداث مجموعة الجماعات الخاصة بها وأخذ هذه المبادرة بالجدية
وبعد النظر”، وفق تعبيره.
الفرشة المائية تنتعش
رغم
الأضرار التي ألحقتها بعدد من المسالك والمحاور الطرقية، وتسببها في حصار
عدد من القرى النائية، تبقى السيول التي شهدتها المنطقة استثنائية
وايجابية، نظرا إلى الخصاص الذي عانت منه المنطقة في العقود الماضية في هذه
المادة الحيوية؛ إذ ساهمت بشكل ملحوظ في انتعاش الفرشة المائية.
حمو
الميموني، فلاح بضواحي تزارين، قال إن “ايجابيات هذه التساقطات المطرية
أكبر بكثير من سلبياتها”، موضحا أن “الفرشة المائية انتعشت بشكل كبير،
وجميع الخطارات والسواقي والآبار عادت إلى طبيعتها وأكثر”، مشيرا إلى أن
وزارة الفلاحة ووكالة الحوض المائي يجب عليهما التدخل من أجل الحد من
زراعات دخيلة مستهلكة للمياه، قصد الحفاظ على المياه الجوفية من الاستنزاف
والوقوع في المشاكل السابقة نفسها.
ولفت المتحدث ذاته، في تصريح
لهسبريس، إلى أن الفلاحين بدؤوا في حرث أراضيهم الفلاحية، مشيرا إلى أن
الموسم الفلاحي الحالي سيكون استثنائيا بامتياز، داعيا الفلاح بدوره إلى
“ضرورة الوعي بأهمية الحفاظ على هذه المادة الحيوية الضرورية وعدم التفكير
فقط بمنطق الاستغلال من أجل جني دراهم معدودة مقابل حرمان البشر والشجر
والحيوانات منها”، على حد تعبيره.