برحيل بريس : ميلود بلقاضي/
تدل مؤشرات عديدة على تشكل مشهد حزبي جديد في أفق تنظيم الانتخابات
التشريعية لسنة 2021. مشهد من المنتظر أن يسطع فيه نجم حزب التجمع الوطني
للأحرار بقيادة رئيسه السيد أخنوش الذي يعيد بناء حزبه وهياكله حزبه بطريقة
مختلفة وهادئة لكنها صاعدة بهدف تصدر انتخابات 2021 ورئاسة الحكومة
المقبلة بعد اقتناع قيادة حزب التجمع الوطني للأحرار بأن هزم البيجيدي يجب
ان يتم عبر صناديق الاقتراع وليس عبر الآليات غير الديمقراطية التي أراد
حزب الأصالة والمعاصرة هزم البيجيدي بها، الأمر الذي قوى أكثر حزب العدالة
والتنمية وجعل منه ظاهرة سياسية واجتماعية مقلقة ومزعجة لكثير من الزعامات
السياسية ولعديد من المؤسسات والقوى التي دبرت مرحلة ما بعد نتائج
الانتخابات التشريعية التي فاز فيها البيجيدي بـ 125 مقعدا بكيفية بئيسة
أعادت كل شيء بالبلاد للدرجة الصفرية.
نكسة تدبير ما بعد نتائج انتخابات 2016
أصيب الرأي العام بصدمة كبيرة لما عرفته مرحلة ما بعد 7 أكتوبر 2016 من
اتهامات غير أخلاقية وغير سياسية بين مكونات المشهد الحزبي، ودخول البلاد
في شبه أزمة سياسية أدخلت البلاد الى بلوكاج حكومي نتج عنه إعفاء ملكي
لبنكيران وتعويضه بالعثماني، هذا الأخير الذي ترأس حكومة مشكلة من ستة
أحزاب يسارية وشيوعية واشتراكية وليبرالية وإسلامية في وقت دقيق وظروف صعبة
عرفت فيها البلاد أحداثا مؤلمة (أحداث الريف) واحتجاجات قوية (احتجاجات
جرادة) برهنت بالواضح على انهيار الوسائط الاجتماعية أي الأحزاب والنقابات،
هذه الوسائط التي أفسدت العرس الديمقراطي الذي نظمت فيه الانتخابات
التشريعية لسنة 2016، مما شكل ردة سياسية أساءت كثيرا لنموذج الخيار
الديمقراطي المغربي نتج عنه دخول الأحزاب السياسية – بصفة عامة – في تيه
سياسي بمشهد حزبي استثنائي.
حزب التجمع الاستثناء وسط مشهد حزبي استثنائي
لاحظ المتتبع الدقيق دخول جل الأحزاب السياسية ما بعد انتخابات 7 أكتوبر
2016 في تيه تدبيري: حزب العدالة والتنمية عرف هزات داخلية صعبة بعد إعفاء
بنكيران حيث أصبح الحزب يدبر برأسين مما أفقده الكثير من قوته الانضباطية
والتنظيمية.
حزب الاستقلال خرج من عنق الزجاجة بعد إزاحة شباط، وقيادته الجديدة ما
زالت تدبر خلافاتها الداخلية بكيفية تكتيكية أكثر منها أن تكون استراتيجية
خصوصا بعد تحكم ولد الرشيد في جل هياكل حزب الاستقلال وطموحه لرئاسة مجلسه
الوطني ليتحكم أكثر في مسار الحزب.
حزب الحركة الشعبية غير المحظوظ الذي لا يخرج من أزمة حتى يدخل في أخرى
وهو على شهور من تنظيم مؤتمره لانتخاب قيادة وهياكل جديدة، مؤتمر لن يكون
كباقي المؤتمرات الحركية السابقة. حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية
الذي أصبح هم قيادته هي المشاركة في الحكومة ولو بأي ثمن في الوقت الذي كاد
أن يفقد فيه فريقه البرلماني لولا دعم بعض ما كان يصفهم الحزب وقيادته
بالأمس بالأحزاب الإدارية في الوقت الذي يتوفر فيه الحزب على كل مقومات
الحزب الكبير.
متاهات حزب البام صبت كلها في صالح حزب الأحرار الذي يدرك -جيدا
– أن منهجية البام في مواجهة للبيجيدي هي من قوت حزب العدالة والتنمية
وبكل موضوعية شكل حزب التجمع الوطني الاستثناء حيث تمكن من بعد انتخابات
7 من أكتوبر من عقد مؤتمره الوطني ووضع برنامج دقيق تمكنت قيادته الجديدة
الالتزام به بعقد أكثر من 13 مؤتمرا جهويا وانتخاب شبيبة الحزب ومنظمة
المرأة وباقي الروابط والروافد والانفتاح على أطر جديدة ونهج سياسة القرب
والعمل في صمت وهذا ما جعل بورصته تبرز بشكل مثير في السوق الحزبي والمغربي
المأزوم مما يوحي بأن عودته القوية للساحة – مقابل جمود باقي الأحزاب
وتيهها- سيؤهله بأن يكون رقما صعبا في الانتخابات التشريعية لسنة 2021،
وتشير عدة مؤشرات على أن هذه العودة القوية للساحة السياسية تفرز معالم
مشهد سياسي وحزبي جديد بدأت معالمه تتشكل.
معالم مشهد حزبي وسياسي جديد تتشكل
تشهد الساحة السياسية المغربية مؤشرات على إمكانية وقوع تغيير في المشهد
السياسي والحزبي المغربي خصوصا بعد دخول المشروع البامي للنفق المسدود
وانقسام حزب العدالة والتنمية إلى تيارات وظهور حزب التجمع الوطني للأحرار
كقوة هادئة صاعدة بقيادة عزيز أخنوش الوزير القوي بحكومة سعد الدين
العثماني.
أخنوش الذي عرف كيف يستفيد من تصدعات والأزمات الداخلية للأحزاب الأخرى
في مشهد حزبي وسياسي، من المنتظر أن يفرز قطبية حزبية جديدة في أفق تنظيم
الانتخابات التشريعية المقبلة بين حزبي التجمع الوطني للأحرار والعدالة
والتنمية على شكل قطبية حزبي الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية التي
عرفتها انتخابات سنة 2016، لذلك يمكن توقع تشكل مشهد سياسي وحزبي جديد
ستتغير فيه موازين وتموقعات كل الأحزاب.
التجمع الوطني والاستفادة من تجربة حزب البام في إضعاف البيجيدي
بعد صدمة حزب البام وفشله في الإطاحة بحزب البيجيدي في انتخابات 2016
وما نتج عن ذلك من تصدعات واتهامات متبادلة بين قادته وأجهزته، أصيب -أيضا –
بصدمة أخرى بعد أحداث الريف قرر على إثرها الأمين العام للحزب تقديم
الاستقالة أمام المكتب السياسي للحزب وتم تأجيل البث فيها من طرف أعضاء
المجلس الوطني، الأمر الذي أدخل الحزب في متاهات كبرى أثرت على تموقعه بشكل
مثير محليا وإقليميا وجهويا ووطنيا.
متاهات حزب البام صبت كلها في صالح حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يدرك
-جيدا – أن منهجية البام في مواجهة للبيجيدي هي من قوت حزب العدالة
والتنمية لأنها لم تبن على أسس التنافس الديمقراطي حول البرامج أو المشاريع
بقدر ما ركزت على الأشخاص وهو ما وعت به قيادة حزب التجمع الوطني للأحرار
التي تراهن على منافسة البيجيدي بالبرامج وبالمشاريع التنموية ونهج سياسة
القرب مع المواطن.
التجمع الوطني بين الحزب الانتخابي والحزب السياسي
حزب التجمع بحاجة لبذل جهد كبير لتغيير الصور والأفكار النمطية اللصيقة
به وفي مقدمتها أنه حزب انتخابي وليس بحزب سياسي، بمعنى أنه بحاجة للقيام
بقطيعة مع مناهج وحكامة وتدبير الرؤساء السابقين للحزب ولهياكله ليتحول
الحزب إلى تنظيم سياسي يعمل طبقا لأحكام الفصل 7 من الدستور، حزب يسير وفق
مبادئ ديمقراطية، تسمح لأي عضو من أعضائه بالمشاركة الفعلية في إدارة
وتسيير مختلف أجهزته ومراعاة مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير شؤونه، ولاسيما
مبادئ الشفافية والمسؤولية والمحاسبة.
حزب ملتزم باختيار مرشحاته ومرشحيه لمختلف العمليات الانتخابية وفق ما
تنص عليه المادة 28 من القانون التنظيمي للأحزاب رقم 11-29 بناء على مبادئ
الديمقراطية والشفافية والكفاءة؛ حزب ملتزم تقديم مرشحين نزهاء وأكفاء
وأمناء، قادرين على القيام بمهامهم التمثيلية مراعاة شروط أهلية الترشح
المنصوص عليها في القوانين الانتخابية. حزب المؤسسة وليس حزب الزعيم، حزب
المناضلين وليس حزب الأعيان، حزب الكائنات السياسية وليس الكائنات
الانتخابية، حزب السياسة وليس حزب الانتخابات فقط.
انتخابات 2021 اختبار فعلي لحزب التجمع الوطني للأحرار
تعتبر الانتخابات التشريعية المقبلة محكا حقيقيا لأخنوش ولحزبه لربح
رهاناتها الأساسية والمؤتمرات الجهوية التي نظمها أخنوش تؤكد ذلك. فحزب
التجمع الوطني منذ تأسيسه شكل كائنا انتخابيا ورقما أساسيا في توازن المشهد
السياسي بالبلاد، ولكنه مع السيد أخنوش يراهن على تصدر المشهد الحزبي
والفوز بالانتخابات المقبلة وترأس الحكومة القادمة وهزم البيجيدي التي تدل
عدة مؤشرات على تراجع شعبيته وحضوره بالمشهد السياسي مستقبلا.
حزب التجمع الوطني للأحرار قوته في قيادته وفي نوعية أعضاء مكتبه السياسي، لكنه يعاني ضعفا على مستوى القواعد والتجذر الشعبي
والمتتبع للمؤتمرات الجهوية 13 التي نظمها الحزب بقيادة السيد أخنوش تؤكد الكثير من المؤشرات الدالة:
– هو الحزب المغربي الذي نظم 13 مؤتمرا جهويا بعد نتائج انتخابات 7
أكتوبر 2016، والذي لم يعرف تصدعات وخلافات منذ انتخاب القيادة الجديدة.
– هو الحزب الذي نهج منهجية تواصلية أساسها سياسة القرب مع مناضليه بكل الجهات.
– اعتماد قيادته على نهج تقديم البرامج التنموية والسياسية دون ضجيج أو سب أو شتم.
– تركيز القيادة الجديدة على التنافس الحزبي على أساس المشاريع والبرامج وليس على أساس السياسة الشعبوية.
– استكمال تشكيل هياكل وروافد وروابط الحزب.
-تقديم عرض سياسي وعرضه للنقاش العمومي.
– نهج مقاربة براكماتية وسياسة القرب.
– الاستعداد الاستباقي للانتخابات المقبلة.
التجمع الوطني للأحرار وتحديات المستقبل
تؤكد تحركات رئيس التجمع الوطني للأحرار بأن له مهام شاقة وصعبة وتحديات
كبرى في أفق تنظيم انتخابات 2021 إطارها العام هزم البيجيدي بآليات
ديمقراطية مصدرها صناديق الاقتراع واسترجاع الثقة في الفعل الحزبي بهدف
قيادة الحكومة المقبلة.الزعيم القوي اخنوش واع بأن مهمته صعبة لكنها ليست
بالمستحيلة لهزم حزب البيجيدي، فهو يدرك أيضا نقط قوة وضعف البيجيدي ونقط
ضعف وقوة حزبه.
حزب التجمع الوطني للأحرار قوته في قيادته وفي نوعية أعضاء مكتبه
السياسي المشكل من أكثر من 16 وزيرا ومن رؤساء جهات ونخب برلمانية وأصحاب
مال وأعيان، لكنه يعاني ضعفا على مستوى القواعد والتجذر الشعبي، وضعف هياكل
الحزب الجهوية والإقليمية والمحلية ومنظماته وعدم توفره على ذراع إعلامي
قوي وعدم حضوره في المجتمع المدني خصوصا الحقوقي منه.
صحيح أن حزب التجمع في عهد أخنوش عرف تغيرا كثيرا على مستوى التنظيم
والتدبير لكنه ما زال بحاجة الى ثورة داخلية مزلزلة تعيد الحزب إلى حزب
المؤسسات وليس حزب الأشخاص، حزب مناضلين حقيقيين وليس حزب أشخاص المصالح
ترعرعوا على الريع السياسي على أساس جعل الحزب في خدمة الشخص وليس الشخص في
خدمة الحزب، حزب الكيف وليس حزب الكم حزب التنظيم والانضباط وليس حزب
الريع والمصالح، حزب المناضلين وليس حزب الأعيان والنخب الفاقدة لأي شرعية
شعبية حزب الديمقراطية التشاركية وليس حزب التعليمات.
وبصفة عامة يمكن القول بأن حزب التجمع الوطني قوة صاعدة تتشكل في وضع
حزبي مقلق، لكن تأمين هذا الصعود بحاجة لاتخاذ قرارات حاسمة -ولو كانت
مؤلمة- للقطع مع ثقافة الريع والزبونية وضعف الانضباط والتنظيم وعدم
الالتزام بمرجعيات الحزب التي تنخر جسم الحزب لبلورة نموذج حزب المؤسسات
وليس حزب الأشخاص، حزب دستور 2011 وليس حزب ما قبل دستور 2011، مع ضرورة
الاقتناع بأن تنزيل شعارات الحزب “أغراس أغراس” و”لنواصل المسار” و”مسار
الثقة”، لن تجد واقعا سياسيا سهلا بل -أيضا- واقعا عنيدا ومعقدا مليئا بكل
أصناف المقاومة، والاقتناع أكثر بأن تحويل حزب التجمع الوطني من حزب
الأشخاص إلى حزب المؤسسات، من حزب الأعيان وأصحاب المصالح إلى حزب التنظيم
والانضباط والديمقراطية التشاركية لا يؤسس بالشعارات والمهرجانات بل
بالاستثمار الجيد في العنصر البشري بكونه الرأسمال الرمزي للاحزاب في وقت
يعاني فيه الحزب من قلة المناضل بالمفهوم الغرامشي.
* أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس