رغم الدور التاريخي الكبير الذي قامت به مدينة تارودانت في مختلف مراحل
البلاد، سواء الديني والسياسي والعلمي والإقتصادي، واعتبارها في مرحلة من
التاريخ المنسي والمقصي عاصمة للعلم والعلماء، وحاضرة لسوس، والتي
أنجبت مدارسها العتيقة ومعاهدها ومساجدها وزواياها.. فطاحلة كبار في الفقه
والعلم ومختلف العلوم، لكنها للأسف الشديد لم تنل حظها من الإشعاع الذي سلط
على مدن أخرى كفاس ومراكش وتطوان والرباط لأسباب تبقى غامضة، أولايراد
البوح بها أوالكشف عنها، وإن كانت في مجملها ذات توجه إقصائي سياسي وعقابي
لصراعات وعنصريات وانتقامات يعرفها التاريخ البشري في كل الحقب والأزمنة.
وحتى نطوي هذه الصفحة التاريخية بالسرعة الممكنة التي تم فيها تهميش
المدينة في غفلة من الزمن رغم علو كعبها، نحط الرحال لتارودانت اليوم،التي
أريد لها أن تصدق عنها تلك الحكاية الشعبية المروية منذ زمان بكل
المرارة المؤلمة والتي تقول أن تسميتها بتارودانت أي تروا/دانت أي الأبناء
ذهبوا…..هل جرفتهم مياه الوادي؟أم أكلتهم الذئاب والكلاب؟ أم تم وأدهم؟وقد
تكون هذه الحكاية المروية ترجمة لواقعة حقيقية، ولكن يظهراليوم أن الأولاد
لم يذهبوا ولكن تنكروا لأمهم وهجروها وتركوها كضيعة مستباحة.
قبل سنوات شرف الملك محمد السادس مدينة تارودانت في أول حوار صحافي
لجلالته أجراه الصحافي الأمريكي سكوت ماكليود عن المجلة الأمريكية تايم قال
فيه :كنت في مدينة تارودانت ووجدت أن الناس قاموا بتمويل جزء من الطريق
السيار وهذا مهم كون الناس شمروا على سواعدهم وبدؤوا في العمل، وقد ذهبت
لتدشين جزء من هذا الطريق السيار في هذه المنطقة،،إغرم ،،وكان هناك ممثلون
للجالية المغربية في الخارج، قاموا بتمويل الجزء الأكبر من المشروع، فهذا
أمر رائع جدا، لانني أعتقد أن الجميع يجب أن ينخرط في العمل، وأعتقد أن هنا
يكمن في مستقبل المغرب . إنتهى الجزء الذي خص به جلالته تارودانت.
بعد ذلك شرف الملك محمد السادس مدينة تارودانت بإحياء ليلة القدر في
مسجدها الأعظم، ثم توالت زياراته لها ودشن مشاريع الخير في ربوعها،
وابتهجنا فرحا بهذا الفتح العظيم وهذه الإلتفاتات المولوية، لمنطقة من ربوع
المملكة تستحق فعلا كل الرعاية والإهتمام ،اعتبارا لمكانتها التاريخية،
والإقتصادية ولولاء ساكنتها وإخلاصهم عبر التا ريخ لثوابت الأمة ولعملهم
الذؤوب من أجل تنمية الوطن وازدهار المواطنين.
إلا أن أيادي العبث، أبت إلا أن ترسم لوحات الخدش على محياها وعلى
عرضها، وحيائها،فقبل سنوات تم تفويت بعض من أراضي أوقافها بحجة إقامة
مشاريع تنموية أو تجارية، كنا نتمنى أن تشغل أفواج البطالة من أبناء
المدينة، وتغدق رغيف خبز للأفواه المشرئبة للقمة عيش نظيفة، أسوارها
استشعرت خيبة مسؤوليها فبدأت تتهاوى لوحدها بمناسبة وبدون مناسبة، ولا من
يعيد لها ياجورة واحدة إلى أساساتها التي تحكي قصة صمود وتضحيات الرجالات
الذين بنوها بالعرق والدموع، بناتها أصبحن خاذمات وسفيرات للبؤس في مخمليات
الرياضات والفيلات والدور الكبيرة بالرباط وفاس والدار البيضاء ومراكش وكل
المدن التي استأسدت عليها في غفلة من الزمان والتاريخ،
منتخبوها سرقوا أصواتها، وتركوها على تئن على مقاصل الموت الزعاف، وحبال
المشانق، وتزيدها ذبحا وقتلا وتنكيلا وتشويها وسائل الإعلام المعلومة
التي نمولها نحن من ضرائبنا باسم الشعب للزيادة في الملح على الجراح،
والتشويه غير البريئ عن سبق إصرار وترصد
اخذوا كل شيء جميل فيها.. جامورها و مدافعها الأثرية وثراتها، ولا شكاية
واحدة خرجت لتحتج على هذا الزيغان، اخذوا كتبا نفيسة من خزاناتها ومنها
خزانة الإمام علي ولامن يقول اللهم إن هذا منكر ،وإستغلوا ثراتها وفلكلورها
في حفلاتهم وسهراتهم ولاواحد دافع عن الحالات الإجتماعية المحزنة لهؤلاء
الفنانين المبدعين والفنانات المبدعات،
مجلسها الجماعي الحالي كنا نعتقد أنه انبرى لمحاربة الفساد و الطواغيت،
والدفاع عن شرف المدينة، وكرامتها وتغيير واجهاتها وإنقاذ كا يمكن إنقاذه ،
لكنه وللأسف الشديد دافع عن الكراسي ، وعن الإنتهازية باسم السياسوية
المقيتة، ولجأ للصمت القاتل في الكثير من الملفات، وترك المدينة تئن من هول
الجراحات والإغتصابات المتوالية لكل معالمها وتاريخها ورجالاتها
ومثقفيها ورياضييها وحضارتها.
فهنيئا لكم بسهرتكم على مآسيها، واعلموا جميعا أن التاريخ يسجل، فلقد
سبق للمدينة أن سقطت غير مامرة عبر التاريخ، وتعودت على الوقوف، لكنها في
الأخير لن تركع ولن تكون أبدا مستباحة ، ولن تنبطح، فانتظروا وقفتها ولو
طال الزمان وستكون وقفة رجولية صونا لعرضها، وعرض شرفها وتاريخها ولو بدعاء
متصوفيها وفقهائها .
محمد جمال الدين الناصفي//