أعادت واقعة اعتداء تلميذ بشكل مُهين على أستاذ مادة الاجتماعيات بالثانوية التأهيلية سيدي داوود بورزازات الجدل حول القوانين والمذكرات الوزارية التي تمنح صلاحيات واسعة للتلميذ تحت طائلة ضمان حق التمدرس، ولو كان مخطئاً، وتحد من تدخل المدرس، وهو ما دفع كثيرا من الفاعلين إلى المطالبة بضرورة إعادة الهبة للمدرسة العمومية حتى تقوم بدورها في التربية والتأطير.
في الصدد ذاته أدانت الجامعة الوطنية لموظفي التعليم، والجامعة الحرة للتعليم، والجامعة الوطنية للتعليم، الاعتداء على أستاذ الاجتماعيات على يد أحد متعلميه، واعتبرت أن “الوزارة الوصية على القطاع تساهم في شرعنة الاستهداف الذي يتعرض له رجل التعليم عبر تبني مذكرات وتشريعات تكبل مبادرات الأسرة التعليمية للتعامل مع هكذا أحداث تحت طائلة ضمان حق التمدرس”.
وسبق لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني أن أصدرت مذكرة سنة 2014 بشأن القرارات التأديبية المتخذة في حق التلاميذ المشاغبين وغير المنضبطين، اعتبرتها الأسرة التعليمية تحد من صلاحيات المدرسة في ضمان استتباب المناخ السليم للدراسة.
وخلافا لما كان معمولا به في الماضي، قطعت المذكرة الوزارية مع ظاهرة التوقيف عن الدراسة التي كانت تعتبر العقوبة الأكثر شيوعا واستعمالا من طرف المجالس التأديبية، واعتبرت أن “الممارسة أبانت أن مثل هذه العقوبات تنطوي على أضرار جانبية لا تربوية، إذ تحرم التلميذ من مجموعة من الحصص الدراسية، يصعب عليه استدراكها”.
وأضافت مذكرة الوزير السابق رشيد بلمختار أن “إبعاد التلميذ المخالف عن الوسط المدرسي من شأنه أن يعمق الهوة بينه وبين المدرسة، ويرفع مخاطر انقطاعه عن الدراسة. كما أن هذا الإقصاء المؤقت قد يجعل التلميذ عرضة للتأثيرات السلبية للمحيط الخارجي للمدرسة، خاصة إذا ما كانت مدة العقوبة طويلة نسبيا”.
ويرى العديد من المتابعين أن المنظومة الجديدة للتأديب، التي تم فرضها على الأساتذة دون إشراكهم في القرار، ساهمت في تفشي ظاهرة الاعتداء على أطر التدريس، خصوصا في ظل غياب الصرامة والحزم في التعامل مع “مشاغبي المدارس”، والاكتفاء فقط بالردع عبر العقوبات البديلة.
وقال يوسف علاكوش، الكاتب العام للجامعة الحرة للتعليم، في تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن الوزارة أصبحت مطالبة بإعادة النظر في التشريعات التي تهم الحياة المدرسية والفعل التربوي، والتي تحد من ممارسة المدرس لأدواره، وأشار إلى أن “الأستاذ اليوم بات يعلم أن أي تقرير سيحرره ضد التلميذ المخالف للقوانين سيكون مصيره الإهمال؛ وهو ما أفقد المدرسة بصفة عامة قيمتها الاعتبارية داخل المجتمع، ناهيك عن وجود حملة من التشهير ضد المدرس وتبخيس أدواره، إلى درجة أن الجميع فقد الثقة في المدرسة العمومية”، وفق تعبيره.
وحذر المسؤول النقابي من انهيار منظومة القيم في بلادنا بسبب تنامي ظاهرة العنف داخل المؤسسات التعليمية، وزاد متسائلاً: “إذا كانت المدرسة لن تقوم بدورها في التربية في ظل وجود قيود مسبقة فمن سيربي هؤلاء؟”، ولفت إلى أن التقارير الدولية أيضا تتحدث فقط عن الجانب المعرفي، بينما تغفل الجانب القيمي الذي يهدد المجتمع برمته.
وأضاف المتحدث ذاته: “عوض أن تنكب الوزارة على دراسة الظاهرة بشكل حقيقي وتشرك الأساتذة في إيجاد الحلول، تجتهد في وضع البرامج والمناهج وتحمل في آخر المطاف الأستاذ مسؤولية فشل هذه الإصلاحات”، ودعا إلى ضرورة رد الاعتبار للمدرس الذي لم يعد يحترمه أحد، وأعطى مثال على ذلك بالقول: “في السابق كان الأب يهدد ابنه عندما يقوم بسلوكات سلبية بأنه سيخبر معلمه”، وخلص إلى أن المدرسة عندما تخلت عن دورها ظهر في الشارع “الدواعش والمشرملين وقطاع الطرق”.
وتعتزم النقابات التعليمية خوض محطات احتجاجية غدا الثلاثاء بجميع مدارس المغرب، احتجاجا على الاعتداءات المتكررة وتضامنا مع ضحايا هذا العنف المتنامي بالقطاع، تحت شعار “جميعا من أجل صيانة كرامة نساء ورجال التعليم”؛ وذلك عبر تنظيم وقفات احتجاجية بالمؤسسات تزامنا مع استراحة الفترة الصباحية واستراحة الفترة الزوالية، بالإضافة أيضا إلى وقفات احتجاجية أمام المديريات الإقليمية بعد غد الأربعاء.