الطالبة الباحثة: فاطمة الزهراء الطويل
إن الحديث عن الحوار، وثقافة الحوار؛ يقتضي أن نستحضر ثنائية الإرسال واستقبال؛ بين طرفين فأكثر؛ باعتباره – أي الحوار- أداة للتواصل والتفاهم بين البشر، وبه عظم الله الإنسان عن سائر مخلوقاته، وفي ذلك آية لمن يعتبر؛ فكون الحوار أداة تحكم علاقات بني الإنسان؛ مفاده أنه القانون الذي يجب أن يحتكم إليه في أي اختلاف أو اتفاق، في حين أن قانون الغاب لا يرقى إلى هذه الدرجة من التعظيم، وكلما أعرض الفرد عن هذا القانون الرباني وأراد أن يتملص من عزته، سقط من حيث لا يدري في براثين العمى والجهل، فينتقل بنفسه من منزلة أعلى وأسمى إلى درجة أقل بكثير مما كان فيه، كما أن ثقافة الحوار هي لطابع الذي يميز المجتمعات المتحضرة على خلاف المجتمعات المتخلفة، والتي تستغني عنه لتجعل الصراع والعنف بديلا له.
لقد خلقنا الباري عز وجل مختلفين في العرق والجنس والدين… وغيرها، إذ أن كل انسان يشكل عالما قائما بذاته، وتتشكل شخصية الفرد إضافة الى ما يحمله من صفات وراثية، وما يكتسبه من البيئة التي يعيش فيها، وكذا من تجارب الحياة، ونتيجة لهذا الاختلاف بين الأفراد من الطبعي أن تختلف الارادات، الأمر الذي يدفع بمن يجهلون هذا القانون الرباني إلى اختيار الـمِقْمَعة حسب مصطلح طه عبد الرحمن في كتابه الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، وهذا الأمر دليل قاطع على الضعف في الشخصية؛ لأن من ضَعُفَ فكرهُ يسعى دائما لتغطيته باللجوء إلى القوة المادية والمعنوية، ومن تمة فما يشهده العالم من صراعات تنخر أواصر التعايش والتعارف، يثبت أن القوة الحيوانية حلت محل القوة الفكرية ، وهنا يتكشف دور الحوار، بغية خلق أواصر التقارب بين البشر، والكشف عما خفي من جوانب، وايضاح الغموض ومصدر الاختلاف لا الخلاف، ولولا الحوار لظل كل فرد منا متمسكا بدغمائيته وآراءه ومواقفه بغض النظر عن صحتها من عدمه، فوظيفة الحوار تتمثل أساسًا في إزالة اللثام عن القناعات وإضاءة الجوانب الصامتة والخفية منها.
إن ما وصلت إليه الشعوب اليوم من حروب لا تكاد تنتهي، لا يرجع إلى زعم الاختلاف المصطنع في الديانات أو المعتقدات، بقدر ما يكمن سببها في الجهل بواجباتي وحقوقي صَوْبَ الطرف الآخر الذي قد أختلف معه، فالإنصات، وتبادل النظرات، والابتسامة، والرد والعطاء في الكلام… كلها أمور تسهم في نجاعة التواصل، والرغبة فيه، والتجاهل والعنف والغضب… ودون ذلك دليل على ضعف من يلجأ للقمع، وحجة على تدني فكره، ولو اجتمعت هذه الصفات الدنيئة في شخص ما أثناء تبادله الحوار مه طرف آخر، فاعلم أنه انتقل بنفسه من درجة الإنسان إلى الأنسنة.
يقول الله عز وجل في سورة الكهف الآية 37 ﴿ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا ﴾، فإذا كان الكفر هو أكبر درجات الجحود بمن خلقنا على الخلقة السوية التي شاءها، وَنُهِيَ فيه الجاحد بالحوار لا بالعنف، فما بال مجتمعاتنا اليوم تذهب بنفسها إلى الإعراض عن الحوار، حتى صار الأطفال الصغار يعشقون منذ صغرهم مشاهدة برامج العنف والتخويف وما عداها، وفي هذا فليحذر الآباء والأمهات، لأنه يربون أبناءهم من حيث لا يدرون على قتل ثقافة التواصل بالتي هي أحسن مع الأخر، وإحلال العنف محلها، هنا يجد الطفل نفسه أمام تضارب كبير لما يتعلمه في الكتب، وبين ما يعيشه في الواقع.
مراكش: الثلاثاء 1 غشت 2017