بشرى حداد
كلماتي هاته ليست وليدة اللحظة وليست بالحديثة. بل هي نتاج لحظات من التأمل والتحسر على ما آلت إيه حالنا اليوم.
يحز في نفسي ما أضحت عليه حال القيم والأخلاق في عصرنا الحالي. لقد أصبحنا شعبا بعيدا كل البعد عن أن يكون متصالحا وصادقا مع نفسه.
لقد أخذنا تيار الزيف والتصنع إلى ما لا عودة. مما دفعنا إلى الابتعاد أميالا وأميالا عن السلوك السليم والتفكير القويم.
لكن لمَ كل هذا النفور؟
ببساطة لأننا زيفنا المفاهيم الأصلية للقيم وبَنَيْنا لنا جسرا من المفاهيم المغلوطة نسير عليه صوب حفلاتنا التنكرية اليومية.
القيم هي مجموعة من الضوابط الأخلاقية التي من خلالها نحدد سلوك الفرد فنقول عنه أنه سوي أم لا .. هي مكابح تمنعنا من الوقوع في الخطأ وتساعد بذلك في ضبط توازن العلاقات الاجتماعية في جو يسوده الاحترام المتبادل للحقوق والالتزام المنضبط بالواجبات. لكن، وللأسف الشديد، هذا التعريف أضحى مجرد حبر على ورق وسرعان ما يندثر على أرض الواقع. فالحقيقة المرة أننا شكَّلنا سلوكياتنا داخل قوالب مسبقة الإعداد من طرف “فئة معينة من المجتمع”٬ فجعلنا من الطالح صالحا فقط لأنه الأكثر تداولا بين صفوف معمري هاته الأرض الطيبة، فليس مهما أن يكون سلوكك منصاعا لما تحكي عنه القيم الإنسانية بقدر ما هو مهم أن يكون موافقا لباقي سلوكيات الآخرين! قد تخطئ في حق شخص ما أو حتى في حق نفسك٬ لكنك لن تُلام على ذلك مادُمت لا تسبح عكس تيار الآخرين.
وليس مهما عزيزي القارئ إن كنت مخطئا حسب عرف الأخلاق ما دمت أحد خِراف القطيع. ولن أفوت الفرصة لأعترف لك أيضا أنه بإمكانك اقتراف ما شئت من “المصائب” دون أن تدفع الثمن غاليا، ذلك شريطة أن تبقى مصائبك سجينة الصمت والظلام أي “أن لا يُكشف أمرك”!
للأسف هُوَ ذا ما آلت إليه أوضاع الأخلاق لدى العديد من بني البشر … لم يعد الواحد منا مكترثا بصرخات ضميره ضاربا بذلك بالمبادئ السليمة عرض الحائط. وإنما أصبح كل اهتمامه مُنْصَبًّا على إظهار تلك الصورة التي ينتظرها منه الآخرون، غير آبه بمطابقتها لصورته الأصلية أم لا.
نحن شعب يخاف الاختلاف !
لقد أصابتنا “فوبيا” الاختلاف، فصارت جميع أشكال الاختلاف ترعبنا : اختلاف اللون واللغة والجنس وحتى اختلاف الفكر ” لذلك قررنا اغتيال كل اختلاف فينا”. أنا أسود وأنت أبيض، أنا امرأة وأنت رجل، أنا عربي وأنت أمازيغي .. كفى بالإنسانية فسادا! كفانا صبيانية وكفانا اعْوِجاجا فكل البشر سواسية. دَعْكَ من كل تلك الخرافات التي تعادي بيننا ولْتَقْبَلْني كما أنا؛ بِلَوني٬ لهجتي وأفكاري ولم لا بعيوبي! دعونا لا نجعل من اختلافنا خِلافا؛ فاختلافي عنك يجعلني فقط مميزا عنك لا مُعاديا لك.
لكل منا شخصيته ولكل منا حياة حَبَكَتْها له الأيام على مقاسِه. وليس من الضروري أن أجيب عن دفتر تحملات وضعه لي الآخرون لكي أُصَنَّف في نظرهم ضمن خانة الأسوياء. سأبقى مختلفة وَلْتُبْهِرني أيضا باختلافك. دعني أرى فيك ما يجعل منك شخصا قادرا علي ترك بصمته أينما حل وليس “خروفا” ضمن قطيع متشابه الأفراد!
أطلق العنان لما يميزك من صفات واجعل ضميرك يستفيق من سباته الأزلي! انثر عن كتفيك غبار شخصية رسمها لك الآخرون وأخرج شخصيتك إلى النور. تصالح أولا مع نفسك واقبلها كما هي! ولا تخفي منها شيئا. فلقد صرنا نعيش في مجتمع يسمح للنفاق بأن يصول ويجول بين صفوف أفراده بينما يُبِيد ويَنسف الاختلاف أينما حل وارتحل، فلا تستسلم لحملة الإبادة تلك بل ابق صامدا رغم اختلافك !
*مهندسة دولة في الإعلاميات