ما يقع هذه الأيام من أحداث هو امتداد طبيعي للتطور التكنولوجي الذي حصل في السنين الأخيرة مما ساهم إلى حد ما في إشاعة المعلومة بكل أنواعها وليس المغرب بمعزل عن ذلك.فالمواقع الإخبارية تحتل المرتبة الأولى في لائحة المواقع الأكثر زيارة في المغرب وهذا إن دل على شيء فإن يدل على زيادة منسوب الوعي السياسي والمتابعة للمستجدات اليومية. ينضاف إلى ذلك ضعف الاقتصاد الوطني وعجزه عن إحداث فرص شغل لفائدة هذا الشباب المتعلم والحاصل على الشهادات وكل من لا يجد عملا.وهو ما تسبب في الإحباط وفقدان الأمل في الحياة لدى البعض .وعندما يقارن هؤلاء الشباب ما يقع في بلدهم بما يقع في بلدان أخرى يزداد حقدهم وحنقهم على السياسيين والسياسة بالمغرب. وهو ما يشكل مادة خام للأطراف المعادية لمصالح المغرب لاستثماره لصالحها. وإن اقتضت سنة الحياة التجديد، فينبغي أن يواكب هذا التطور التكنولوجي و الفكري تطور سياسي يعمل على احتواء كل المستجدات الطارئة وغير المتوقعة حتى ينعم الجميع بالأمن و السلام و العيش الكريم.و بالنظر إلى الواقع السياسي نجد أن الدولة المغربية بدلت جهودا جبارة للنهوض بالمغرب على جميع الأصعدة وعملت على الرفع من وتيرة التنمية في جميع المناطق دون استثناء إلا أن هناك بعض المعيقات الناجمة عن غياب بعض آليات الحكامة الجيدة.
أول تغيير يجب التفكير فيه حاليا هو النظام الانتخابي. فإذا كانت انتخابات الجماعات الترابية جهوية، كنا تفادينا كل هذه الأزمة الأخيرة في منطقة الريف.بما أن المغرب انخرط في ورش الجهوية المتقدمة، فإنه من الأفيد أن تجري الانتخابات في بلدنا كل ستة أشهر في كل جهة بما أن المغرب يتوفر على اثني عشر جهة. وتتجلى أهمية
ذلك في كون كل جهة ستحظى بنصيبها من الاهتمام والنقاش العمومي والمنافسة بين البرامج الانتخابية وسيتوج ذلك بانتخاب مرشحين أكفاء قادرين على التجاوب مع تطلعات سكان الجهة.و إذا كانت للشباب المحلي طموحات فما عليه سوى التقدم لانتخابات سواء بالاسم الأحزاب أو بكيفية مستقلة و يجب التفكير في الكيفية التي يتم فيها دمج المستقلين محليا بناء على توقيعات السكان للتقدم لانتخابات حتى يتم قطع الطريق على دعاة المقاطعة.فضلا عن أن تنظيم انتخابات جهوية يسهل على السلطات ضبط كل المخالفات وضمان التنافس الشريف و مشاركة أكبر نسبة من السكان في إطار تنافس البرامج الانتخابية الجهوية بناء على المعايرة السياسية.و هو ما سيعمل على تطوير وتيرة انجاز المشاريع بجميع الجهات بفعالية تنعكس بالإيجاب على علاقة المواطن بالشأن العام.
إضافة إلى تغيير قانون انتخابات الجماعات الترابية، هناك الحاجة إلى معايرة البرامج السياسية للأحزاب المغربية و ما لذلك من أهمية من حيث التأسيس للأحزاب التنموية عوض الأحزاب لإيديولوجية التي تهدد الهوية السياسية للدولة.فالأحزاب التنموية نموذج متطور للأحزاب السياسية التقليدية. حيث يصبح هم هذه الأحزاب هو تطوير برامج تنموية حسب القطاعات الحكومية و الجهات بناء على نتائج مراكز الدراسات و الاقتراحات التي تجمعها. وما يلاحظ أننا في حاجة إلى هذا النوع من الأحزاب التي قوامها الدراسة والتخطيط التنموي و ستصبح مكملة لجهود الدولة التنموية وكل مشاريعها ستصب في هذا النطاق.ولتحقيق هذا الهدف، ينبغي إحداث آلية وطنية لمعايرة البرامج السياسية للأحزاب المغربية وفق دليل معياري تضعه هذه المؤسسة و ستلتزم به هذه الأحزاب و بانتفاء هذا الشرط تقصى هذه الأحزاب من المشاركة في الانتخابات مما سيتيح الفرصة لأحزاب جديدة للظهور قادرة على استيعاب الجيل الجديد والديناميكية الافتراضية الحاصلة في الشبكات الاجتماعية. و بالتالي ستكسب الدولة رهان الاحتواء وتوجيه الطاقة المحدثة إلى التنمية دون أن تتصارع معها وأكبر رابح هو البلد لأن التنمية ستصبح الغاية التي يصبو لها الجميع.
هناك كذلك الحاجة إلى الفصل بين العضوية في الجماعات الترابية و العضوية في البرلمان لإتاحة الفرصة لظهور وجوه جديدة. فعندما يرى الشباب نفس الوجوه دائما فإن ذلك يساهم في الإحباط و مقاطعة الانتخابات. و من حق هؤلاء أن يقاطعوا الانتخاب في ظل وجود هذا الخلل لأنه من المستحيل أن يفلح من يجمع بين العضوية في البرلمان و يترأس إحدى الجماعات الترابية في تحقيق القيمة المضافة.وهذه الوضعية تحدث كبتا سياسيا لدى من تحدوه الرغبة في المساهمة في التنمية. وكان السيد وزير الداخلية السابق قد تقدم بمشروع في هذا
الباب ومع الأسف تم رفضه من بعض الأحزاب وتم التخلي عليه إلا أنه ينبغي أن يتم القطع مع هذه الظاهرة. فمصلحة بلدنا تتجاوز كل الاعتبارات الضيقة وما علينا سوى فرض ذلك لما له من أهمية من الناحية الديمقراطية.وينبغي تحديد مدة الانتداب في الانتخابات البرلمانية والجماعات الترابية في ولايتين وأن يبدأ تطبيق هذا الأمر بعد أن يتم اعتماده وأن لا يكون له أثر رجعي. ويجب أن يعلم الجميع أن التمثيلية الانتخابية ليست مهنة و إذا أفلح المرشح في الفوز مرتين خلال مساره الانتخابي فهذا هو عين الصواب حتى تعطى الفرصة للجميع للمشاركة في التنمية و أن يحس كل فرد أنه بإمكانه أن يترشح و أن يفوز و يحقق أهدافه.وتتجلى كذلك أهمية تحديد مدة الانتداب السياسي في ولايتين في كونها ستساعدنا على التخلص من الزعامات المحلية والوطنية.و سيستفيد البلد من دخ دماء جديدة في شرايين الحياة السياسية وتحديث البنية المهترئة للموارد البشرية.