رأيسلايد

ما بعد الإنقلاب على الديموقراطية

بقلم: لحسن السقال.
يعتبر المغرب من بين دول العالم الثالث التي ذاقت مرارة الإستعمار الأجنبي، وعاش ما عاشه من أزمات سياسية، ٱقتصادية، وٱجتماعية عصفت بحقوق الشعب المغربي صاحب الأرض والهوية وسلبت منه كل الحقوق في العيش بكرامة وبحرية، حيث تجاوز المستعمر الغاشم كل الإتفاقيات الدولية والأعراف الإنسانية، وكال للشعب المغربي أشد العذاب والإهانة، ولم يكتفي بذلك فقط بل تجاوز به الأمر إلى أن قام بنفي السلطان محمد الخامس إلى خارج الوطن مما جعل المقاومة المغربية تصعد من مقاومتها وتضحياتها ضد المستعمر وهو ما حدا بهذا الأخير إلا أن يدعن للإرادة الشعبية ويسمح بعودة السلطان المغفور له محمد الخامس طيب الله تراه إلى أرض الوطن، عودة حملت معها بشائر خير وبركة للشعب المغربي وزرعت فيه روحا مضاعفة مكنته من خوض معارك طاحنة وبطولية ضد الغزو الأمبريالي الغاشم أرغمته على الخروج من وطننا وأراضينا صاغرا ومهزوما هزيمة نكراء، ليعلن عن ٱستقلال المملكة المغربية سنة 1956م، إستقلال لم يكن ليتأتى لو لم تكن هناك ملحمة بين الملك والشعب، في حين كان هناك أيضا خونة للشعب وللملك وللوطن، كانوا متواطئين مع العدو ينفدون تعليماته ويأتمرون بأوامره من أجل مصالحهم الخاصة وضدا على مصلحة الوطن والإرادة الشعبية.
إستقل المغرب وخرج المستعمر صاغرا مهزوما، فقال السلطان محمد الخامس رحمه الله أنذاك مقولته الشهيرة «لقد خرجنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر»، مقولة لها أكثر من دلالة وتعتبر بمثابة خارطة طريق نحو الديموقراطية والإصلاح وبناء دولة المؤسسات ودولة الحق والقانون، ثم بناء مغرب ما بعد الإستعمار، مقولة عمل الملوك المتعاقبون على الحكم في المغرب بمعية فئة من الشعب ذووا المواطنة الصادقة على تطبيقها على أرض الواقع، فيما ٱختار شرذمة ممن كانوا موالين للمستعمر الإصطفاف على الجانب الآخر والوقوف في وجه الإصلاح والتقدم، فكان همهم الوحيد جمع الثروات وتكوين تيار مضاد للتوجه والمسار الذي يسلكه الملوك العلويين والشعب المغربي في سبيل ترسيخ الخيار الديومقراطي وجعل المغرب ينعم بالإستقرار والتقدم والرفاهية، فنشأت حينها متلازمة فئة مع الإصلاح والتغيير وفئة ضد الإصلاح، حيث كانت كفة معارضة الإصلاح هي الراجحة، وضع عاشه المغرب منذ بزوغ فجر الإستقلال إلى بزوغ الربيع العربي، ربيع عصف بالعديد من الحكام والحكومات في العديد من الدول العربية، إلا أن بلادنا وبفضل الله ثم بفضل حنكة وتبصر جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، تجنبت عاصفة الربيع العربي فمرت بردا وسلاما على وطننا فتم أنذاك التصويت بالإجماع على دستور جديد سنة 2011، وإجراء أول ٱنتخابات تشريعية شفافة ونزيهة بالمغرب أعطت الفوز لحزب العدالة والتنمية ومنحته ثقة شريحة واسعة من الشعب المغربي، تصدر حزب العدالة والتنمية للإنتخابات التشريعية في سنة 2011 منحه تشكيل الحكومة بحكم توفره على أغلبية برلمانية، حكومة كان الشعب المغربي يرى فيها الحلم الضائع والآمال المنتظرة، والمنقذ الوحيد من براثين الجهل والفقر والإستغلال والإحتقار، لكن في المقابل هناك فئة مضادة لمصالح الشعب وحقوقه ولا يهمها سوى مصالحها الشخصية، هذه الفئة لا يروق لها هذا التغيير وهذا التوجه الديموقراطي الذي بدأت البلاد تسلكه، ولأن قطار هذه الحكومة بدأ يزعج فعليا التماسيح والعفاريت كما وصفهم رئيس أول حكومة في عهد الدستور الجديد و ظاهرة السياسة في مغرب ما بعد الربيع العربي، ولكون هذا القطار أخذ سكته الصحيحة أيضا فقد عملت هذه الشريحة من أعداء الإصلاح ورافضي التغيير على محاولة إيقافه وإزالته عن مساره الصحيح وذلك بٱنسحاب حزب الإستقلال من الأغلبية الحكومية، إنسحاب كان يروم منه حزب شباط أنذاك تشتيت الأغلبية الحكومية وإفشال أول تجربة ديموقراطية بصم عليها الشعب المغربي بإرادته، محاولة سرعان ما باءت بالفشل، وتدارك رئيس الحكومة أنذاك بحنكته ودهائه المعروفين الموقف، ومد يده لحزب الحمامة الذي ٱختار المعارضة في ذاك الوقت وإقناعه بتعويض حزب الميزان في الحكومة والإنضمام إلى الأغلبية البرلمانية، وهو ما كان له وقع إيجابي على مسار وٱستمرارية الحكومة وإعطائها دفعة قوية لتحقيق ما جاءت من أجله، أمور كثيرة تحققت وملفات خطيرة فتحت، رغم أن المواطن لم يلمس ذاك التغيير الجذري الذي كان يطمح إليه إلا أن وللأمانة بدأ يحس تدريجيا بنوع من التغيير الإيجابي على مستوى جميع الميادين السياسية، الإقتصادية، الصحية، الإجتماعية والقضائية، وبدأ المواطن البسيط يتأقلم تدريجيا مع هذا المستجد الذي خول له قطع أشواطا مهمة في مجالي الحقوق والحريات.
مرت خمس سنوات من التجربة الديموقراطية الأولى من نوعها في المغرب رغم ما لها من سلبيات وإيجابيات، إلا أن المواطن بات راض عنها ودافع عنها في محطة ثانية في الإنتخابات الجماعية في العاشر من شتنبر 2015 وٱحتلال حزب العدالة والتنمية الرتبة الأولى في هذه الإنتخابات، وهو ما خول له الفوز بحصة الأسد من الجماعات الحضرية والقروية ورئاسة جهتين رغم العشوائية والفوضى والتنازلات الغير مبررة التي عرفتها التحالفات في رئاسة الجهات ال 12 للمملكة، ورغم كل المناورات التي ٱستعملت من طرف أخطبوط الفساد جدد المواطن المغربي وللمرة الثالثة على التوالي ثقته في حزب المصباح، وبوءه الصدارة من جديد في الإنتخابت البرلمانية للسابع من أكتوبر سنة 2016، وأرتفع رصيده من 107 مقاعد سنة 2011 إلى 127 مقعد سنة 2016، وهو الأمر الذي أزعج بشدة ما يصطلح عليها بالدولة العميقة، وٱتضح لها بأن سيطرتها على الأمور في البلاد لم يعد ممكنا في ظل تزايد شعبية حزب المصباح، وتكريس ثقة ومساندة المواطنين لهذا الحزب الذي رأوا فيه كما قلنا سابقا المنقذ وفاضح الفساد والمفسدين، هذا الخطر الجارف الذي بدأ يسحب البساط من تحت أقدام رعاة الفساد والإستبداد، يجب أن يضعوا له حدا ويوقفوه قبل فوات الأوان، فبعد السناريوهات العديدة والمختلفة التي جربوها في الخمس سنوات الماضية  ضد هذا الحزب ولم تأتي أكلها بل وزادته قوة وشعبية متزايدة، لم يعد ممكنا تجريبها مرة ثانية لأنها أثبتت فشلها الذريع في وقف مفعول السحر الذي يتمتع به هذا الحزب في قلوب المواطنين، وهذا ما جعل بعض الأحزب المدفوعة من طرف الدولة العميقة تضع العصا في عجلة الحكومة الجديدة ومنعها من التحرك، وهو ما ترتب عنه ما سمي ب “البلوكاج الحكومي” هذا الوضع إستمر زهاء خمسة أشهر من العطالة البرلمانية في البلاد، وما صاحب ذلك من فراغ سياسي أثر سلبا على الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والسياسية بالمغرب، وضع لم يعد ممكنا أن يستمر وبدأت عدة سيناريوهات تطرح في الأفق ويتضمنها الدستور، منها سيناريوهين إثنين حل البرلمان والذهاب لٱنتخابات تشريعية سابقة لأوانها، أو تغيير رئيس الحكومة بشخص آخر من نفس الحزب، لتشكيل الحكومة وإنهاء حالة “البلوكاج” التي عمرت طويلا، وبحنكته وتبصره ولصعوبة الخيار الأول لما له من هضر للمال العام في إعادة الإنتخابات ولما في ذلك أيضا من إطالة زمن الفراغ السياسي، إلتجأ عاهل البلاد الملك محمد السادس نصره الله بحكم الصلاحيات التي يخولها له الدستور إلى الخيار الثاني، وإقالة رئيس الحكومة الأسبق وتعويضه بزميله في نفس الحزب المتصدر للإنتخابات والشخصية الثانية في حزب العدالة والتنمية سعد الدين العثماني وتعيينه رئيسا جديدا للحكومة، خيار رغم أنه يتماشى مع الدستور الجديد للبلاد إلا أنه جانب إرادة الفئة التي صوتت للحزب وهضمت حقها في تطبيق الخيار الديموقراطي الذي عبرت عنه في صناديق التصويت.
إذا وبعد هذه الممارسات الغريبة والعجيبة والسلوكات الغير مسؤولة التي مرت منها هذه الحكومة، والمسار الشائك والملتوي الذي مرت منه قبل أن تخرج إلى العلن عرجاء ومشوهة الخلقة، نتساءل هل يمكن أن نراهن على أن المواطن المغربي سيضع ثقته مجددا في السياسة والسياسيين بالمغرب؟ أم أننا سنكتفي فقط بالمشاهدة والمراقبة من بعيد بعد كل ما رأيناه؟ أم أننا سنفقد ما تبقى من الثقة ما بعد الإنقلاب على الديموقراطية؟.
دمتم لشعارنا الخالد: الله ـ الوطن ـ الملك، أوفياء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى