خمسة أيام فقط كانت كافية لسعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المعين الجديد، ليعلن أنه تمكن من جمع مكونات الأغلبية الحكومية، والتي فشل فيها سلفه عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، بعدما قضى أزيد من خمسة أشهر من المفاوضات الشاقة دون أَن يحصل على الأغلبية التي تخوّل له تأليف الحكومة المقبلة، بالرغم من استعداد الجميع للمشاركة في هذه الحكومة.
ظاهريا، يبدو أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كان هو سبب الأزمة التي عصفت بعبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المكلف المعفى؛ لكن لا أحد فهم سبب تراجع العثماني عن قرار الأمانة العامة لحزب “المصباح” وقبوله دون مبررات بوجود رفاق لشكر إلى جانبه في الحكومة المقبلة، باستثناء عبارة خرجت من بين فكيه في حالة شرود وهي تلك القائلة بأن القرار سيادي.
البلوكاج مرتبط ببنكيران
الدكتور عثمان الزياني، الباحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية، سجّل، في تصريحات لهسبريس، بأن “الوصول إلى جمع مكونات الأغلبية الحكومية بهذه السرعة ووفق هذه الشاكلة يثير بدون شك جملة من الدلالات”، معتبرا أن أبرز تلك الدلالات تبيّن أن مشكل البلوكاج لم يكن مرتبطا بحزب العدالة والتنمية في حد ذاته بقدر ما كان مرتبطا بعبد الإله بنكيران، الأمين العام لـ”المصباح”، بدرجة أولى.
وفِي هذا الصدد، تساءل الزياني إذا ما كان الفيتو الذي كان يرفع في وجه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كان خاضعا للمزاج السياسي لبنكيران فقط أم أنه كان مبنيا على قناعات إيديولوجية وسياسية ومبدئية بخصوص الأحزاب التي يمكن أن يتحالف معها في تشكيل الحكومة، موضحا أن “بنكيران تبيّن أنه أصبح غير مرغوب فيه وأضحى بمثابة الرجل المزعج بالنسبة إلى القصر، على الرغم من الخدمات التي قدمها خلال رئاسته للحكومة منتهية ولايتها”.
الزياني وبعدما أوضح أنه “في تعيين العثماني ما يشفع في القول بأن هناك إشارات واضحة ليس فقط لبنكيران، وإنما للحزب في كليته لكي ينأى عن الاستقواء بشرعية الصناديق، والعمل حسب الحجم والسياقات التي يحددها القصر”، أبرز أن “تشكيل الحكومة بهذه السرعة يدل على أن حزب العدالة والتنمية استوعب الدرس جيدا، وما عليه إلا أن يساير التيار”.
وفي هذا السياق، لفت المتحدث إلى أن “تعبيرات التفاعل الإيجابي مع البلاغ الملكي وتغيير نبرة الخطاب أثناء فترة تعيين العثماني لتشكيل الحكومة والانفتاح على كل الأحزاب بما فيها الأصالة والمعاصرة كلها رسائل واضحة للتعبير عن الانصياع والخضوع والمضي قدما في تشكيل الحكومة بهذه السرعة”.
نزعة براغماتية لـ”البيجيدي”
من جهة ثانية، قرأ الزياني في هذه السرعة “ثبوتية النزعة السياسية البراغماتية للحزب في التعامل مع تعليمات وتوجيهات القصر ومسايرة كل الفروض وتقديم التنازلات، وقبول الاتحاد الاشتراكي في الحكومة والذي سيثير الكثير من الإشكالات والمشاكل سواء داخل الحزب أو خارجه والذي سيضع الحزب تحت امتحان المصداقية”، مشددا على أن بنكيران سبق له أن قال بأنه “لن يبقى بنكيران إذا دخل الاتحاد الاشتراكي الحكومة”، وبدون شك ستكون هناك اختلافات وغضب داخل الحزب؛ لكن البنية التنظيمية للحزب التي تنضبط لنسق ثقافي / ديني يعتمد على براديغم الشيخ والمريد”.
من خلال سرعة تشكيل الحكومة أيضا، يتبيّن، حسب الزياني، “أن العثماني يريد أن يبرهن لنفسه وللقصر عن الاختلاف في أسلوبه عن بنكيران في إدارة الحوار ومفاوضات تشكيل الحكومة، ويريد أن ينهي مرحلة بنكيران بإيجابياتها وسلبياتها، ويعطي إشارات واضحة للقصر عن التفاعل الإيجابي بخصوص الإستراتيجية الموضوعة لإدارة المرحلة السياسية المقبلة والتي هي بدون بنكيران طبعا”، منبها إلى “أن السرعة التي تشكلت بها الحكومة بعد طول أمد البلوكاج والتفاعلات التي سايرته، وطبيعة تشكيلة الحكومة في حد ذاتها، تعيدنا إلى مستنقع صناعة الأغلبيات، أي تكريس روح مرحلة ما قبل دستور 2011”.
وفي هذا الصدد، تساءل الباحث في القانون الدستوري حول مدى استقلالية القرار الحزبي، من خلال استحضار كيفية تعامل الأحزاب مع التعليمات والتوجيهات، موضحا أن ذلك يأتي في ظل وجود أحزاب هشة تختزل مشروعها في الحصول على المناصب، حيث سيبقى الوضع على ما هو عليه؛ وهو ما يشكل في طبيعته انتكاسة حقيقية للديمقراطية.
“إن تنازل حزب العدالة والتنمية عن شروطه واشتراطاته والقبول بتشكيل حكومة وفق هذه المقاسات سيصعب كثيرا من مهام التعايش السياسي بين مختلف مكوناتها، وستجعله يواجه معارضة من داخل الحكومة بالإضافة إلى معارضة حزب الأصالة والمعاصرة الأكيدة”، يقول الزياني الذي اختتم حديثه لهسبريس بالتأكيد على أن هذا الوضع “سيقزم من وضعه أكثر، وسيكون محكوما بالخضوع لـ”لاءات” المكونات الحزبية المشكلة من حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الحركة الشعبية.