دين ودنياسلايد

إضاءات حول التطرف المبني على الدين

ياسين السويدي.
إن العلم بحقائق
الأشياء، والوعي بالمفاهيم يعد مدخلاً رئيساً لتضييق دائرة الخلاف أو إزالته، إذ
تجد جذور الخلاف عائدة في كثير من الأحوال إلى اختلاف المفاهيم، أو الجهل بحقائق
الأمور، وهذا أمر متفق عليه بين الأمم. 
فكثيراً ما يثور الخلاف بيننا في مسألة، ويشتد الجدال في موضوع،
ويظهر أنَّ المتجادلين على خلاف فيما بينهم، وهم في الواقع على اتفاق، ولو حددت
ألفاظهم لتجلى لهم أنهم على رأي واحد.
فالتطرف الديني له مصطلح خاص وهو الغلو:
 تعريف الغلو في اللغة: تدور الأحرف الأصلية لهذه الكلمة ومشتقاتها على معنى واحد يدل على
مجاوزة الحد والقدر.
يقول ابن فارس – رحمه الله -: ( العين واللام والحرف المعتل أصل
صحيح يدل على ارتفاع ومجاوزة قدر) و
يقال غلا غلاء فهو غالٍ، وغلا في الأمر غلواً أي: جاوز حده، وغلا
القدر تغلي غلياناً، فالغلو: هو مجاوزة الحد.
تعريف الغلو اصطلاحاً:  الغلو: مجاوزة الحد بأن يزاد في الشيء في حمده أو ذمه على ما يستحق ونحو
ذلك.  
كما يمكن تعريفه ب: المبالغة في الشيء والتشدد فيه بتجاوز الحد.
وتجاوز الحد الشرعي بالزيادة على ما جاءت به الشريعة، سواء في الاعتقاد أو في
العمل.  
وهذه التعاريف متقاربة وتفيد أن الغلو هو تجاوز الحد الشرعي
بالزيادة. وهو حرام شرعا قول الله تعالى: {لاَ تَغْلُواْ فِي
دِينِكُمْ}[المائدة:77]  
ويقول بعض العلماء في بيان ضابط للغلو قال: ( وضابطه تعدي ما أمر
الله به، وهو الطغيان الذي نهى الله عنه في قوله: {ولا تطغوا فيحل عليكم غضبي}
[طه:81]
الغلو الاعتقادي :
ومن أمثلته الغلو في الأنبياء والصالحين، كمن يغلو في نبي من الأنبياء، فيستغيث
به، ويسأله من دون الله – عز وجل – أو يدعي فيه أنه يعلم الغيب، أو غير ذلك، مما
هو من خصائص المولى تبارك وتعالى. ومن ذلك أيضا الغلو في الصالحين، وفي قبور
الصالحين، وسؤالهم تفريج الكربات، وإجابة الدعوات، فهذا أيضًا من الغلو الاعتقادي.
ومن ذلك أيضًا الغلو في التكفير بغير برهان من الله – عز وجل – ولا من رسوله – صلى
الله عليه وسلم . فهذه من أمثلة الغلو الاعتقادي .  
وقد ثبت في صحيح البخاري  أن النبي – صلى الله عليه وسلم –
قال : « إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ ( 1) هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ ، لاَ
يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ
الأَوْثَانِ » 
وهاتان الصفتان اللتان ذكرهما النبي – صلى الله عليه وسلم – هما
صفتان مشتركتان ، توجدان في كثير من فرق الغلاة على مدار التاريخ، فهم قليلو
العلم، جاهلون بالشرع. ولهذا حتى لو قرءوا القرآن فإنه لا يجاوز حناجرهم، بمعنى
أنهم يقرءون بدون تدبر، وبدون فهم، ولهذا لا يهتدون بهدي القرآن، ولا ينتفعون
بمواعظه، والصفة الثانية أنهم يقعون في استباحة الدماء، فهم : ” يقتلون أهل
الإسلام ” . وذلك نتيجة لتكفيرهم لأولئك القوم، فهم يكفرون المسلمين، ثم ينطلقون
من ذلك الاعتبار إلى استباحة دمائهم.
.ضوابط إطلاق وصف
الغلو:
إن المتتبع لألفاظ الشارع، يجد أن الأوصاف التي يوصف بها المنحرف
عن شرع الله أياً كانت درجة الانحراف لا تطلق إطلاقاً عاماً، بل يختلف الأمر بحسب
اختلاف درجة الانحراف، فإن كان كبيراً ساغ وصف صاحبه به وصفاً مطلقاً، وإلا لم يسغ
وصفه به إلا مقيداً بعمل، واعتبر في ذلك بأوصاف الشرك والكفر والفسوق والظلم.
فالشرك مثلاً شركان: أحدهما ينقل عن الملة وهو الأكبر، وشرك لا
ينقل عن الملة وهو الأصغر، ولا يصح إطلاق هذا الوصف إلا على المشرك شركاً أكبر.
 ولفظ الغلو ينطبق عليه هذا، فلا يصح إطلاق وصف الغلو، فيقال
فلان غالٍ، أو الجماعة الفلانية غالية إلا إذا كان غلوه أو غلوها في أمر أصلي من
الدين سواء في أصول الاعتقاد أم في أصول العمل. 
ويمكن وصف شخص ما
بالغلو عندما يأخد بإحدى كليات الدين ويجعلها هي الدين كله. فيصبح سلوكه متشددا
وغير معتدل ولا يتناسب وشرع الله. وبالتالي فهو غال.
بتصرف عن موقع الشباب التابع للرابطة المحدية للعلماء (CHABABE.MA) 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى