رأيسلايد

المتاهة

بقلم عثمان أشهوض
لم أعد أحلم مؤخرا ، كل ما أصبحت أراه عندما أخلد إلى النوم هو الرعب .. الفوضى .. جثث بشرية متعفنة في برك من الدماء .. همسات .. ضحكات شيطانية مخيفة تنبعث من اللامكان … بالأمس فقط حلمت بكابوس مريع ، كنت في الأعماق السحيقة لغابة موحشة، وفي كل مرة أبحث عن المخرج أصادف في طريقي مخارجا مسدودة بأشواك سوداء كثيفة تنبعث منها رائحة الموت ، لأعود أدراجي نحو أعماق الغابة .. ومن حيث بدأت أنطلق مرة أخرى للبحث عن طريق الخروج من ذلك الجحيم .. وبعد بحث طويل ومنهك وبعد كل ذلك اللف والدوران في تلك المتاهة الغامضة، اكتشفت أنني لا أفعل شيئا سوى العودة في كل مرة إلى نقطة البداية ، كل ما أقوم به هو الدوران في حلقة مفرغة ، في دائرة لا بداية لها ولا نهاية .. وحينها فقط تخليت عن فكرة الهروب واستلقيت بهدوء مغمضا عيناي، وفور إغلاقهما وجدت نفسي في كابوس مقيت آخر ، لم أفهم أبدا المنطق وراء هذا العبث ، كيف لي أن أحلم وأنا أصلا داخل حلم ؟ .. لم أفكر كثيرا في ذلك التداخل المربك بين العوالم ، فقد كنت وجها لوجه مع مهرج بأنف أسود وبشرة حمراء ، ولكنني لم أكن في الغابة المهجورة بل كان الظلام الدامس يحيط بنا من كل الجهات ، ولم يكن المهرج مضحكا كما هي عادة المهرجين أو بالأحرى كما هي عادتنا في رؤيتهم ، وبعد صمت وجيز ونظرات متبادلة بدأ يضحك ووجهانا قريبان من بعضهما البعض إلى درجة أنني كنت أشم الرائحة المنبعثة من فمه والتي كانت شبيهة بل مطابقة لرائحة الأشواك السوداء في الغابة .. وشيئا فشيئا تحولت ضحكاته إلى صراخ هستيري اهتز له كياني ، كان أكثر مشهد مرعب رأيته في حياتي ، وفجأة تلاشى كل شيء واستيقظت من الكابوس الثاني لأجد نفسي مرة ثانية في أعماق الغابة وبدون سابق إنذار خرج المهرج اللعين من العدم وكان يجري باتجاهي وفي عينيه شرارة شر خالص ، لم يكن مهرجا بالتأكيد بل روحا سوداء ظلامية تجسدت في هيئة مهرج .. وعلى الفور انتبهت إلى أنه كان يحمل سكينا طويلة ملطخة بالدماء ولم أكن بحاجة إلى ذكاء متقد لأعرف ماذا كان ينوي فعله ، فوقفت على قدمين مرتجفتين من الخوف استعدادا للهروب .. غير أنني كنت في تلك اللحظة قد انفصلت تماما عن الواقع وانفصل عقلي وإرادتي عن جسمي ، ولكنني أدركت ذلك بعد فوات الأوان .. فبعد أن أعطى عقلي الأمر بالهروب والنجاة اختار جسدي الجري في الإتجاه المعاكس ، أي أنني جريت باتجاه المهرج ، مسافة طويلة بدأت تتقلص شيئا فشيئا ، ونبضات قلبي تسارعت بشكل مهول حتى أنني أحسست بتوقفها .. خطوة خطوتان وحدث الإصطدام المتوقع بشكل جنوني وعنيف ، أحسست بنشوة مفاجئة لم أعلم مصدرها إلا بعد أن أحنيت رأسي نحو الأسفل ، وحينها رأيت دمائي الحارة متدفقة بصمت وبوتيرة مسرعة لتسقي أشواك الغابة السوداء .. ثم كان أن استيقظت من كابوسي المشؤوم وأنا غارق في العرق ، وبقيت مستلقيا في مكاني أتأمل السقف لبضع دقائق ، كما هي عادتي كل صباح بعد الإستيقاظ من كوابيسي المتكررة، ثم نهضت من فراشي بتثاقل رهيب ودهن شارد لمواجهة يوم جديد وكابوس واقعي لا تنتهي فصوله .. اسمه الحياة .

نتيجة بحث الصور عن الغابة


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى