الحكامة الجيدة التنمية المحلية أية علاقة؟ بالرجوع إلى مفهوم الحكامة، نجد أن هذا الأخير قد تطور بالموازاة مع تطور مفهوم التنمية، لاسيما لما انتقل محور الإهتمام من التركيز على النمو الإقتصادي إلى التركيز على الرأسمال الإجتماعي ثم إلى التنمية الإنسانية، ليظهر مفهوم الحكامة بجلاء عندما أضحت التنمية تعتمد على نهج متكامل، يعتمد على مبدأ المشاركة والتخطيط الطويل الأمد ، ومرتبط بالتكامل بين النشاط الإجتماعي، الإقتصادي، السياسي، الثقافي والبيئي، ومستند على العدالة في التوزيع والمشاركة.
من هنا نشأت العلاقة بين مفهوم الحكامة والتنمية المحلية، لأن الحكامة هي الضامن لتحويل النمو الإقتصادي إلى تنمية حقيقية مستدامة، على اعتبار أن مسألة التنمية وأهداف الحكامة يعتبران المدخل الهام، بل الأرضية الوحيدة المنتظر منها تحقيق الإقلاع الإقتصادي والإجتماعي، الأمر الذي جعل من مطلب الحكامة في بعده التنموي دعامة أساسية لتقوية مسلسل اللامركزية، وآلية أساسية في النهوض بالدور التنموي للجماعات المحلية بالمغرب.
ولعل من مستلزمات التنمية المحلية في إطار الحكامة الجيدة العمل على استنفار تعبئة كل الإمكانات والموارد والطاقات المتوفرة بمجال محلي معين، بهدف خلق وتطوير أنشطته الإنتاجية وتحسين مستوى عيش جميع سكانه، وإحلال اللامركزية بكل مقوماتها محل المركزية في التخطيط والقرار وغيرهما ، والتي من عيوبها أي المركزية اللامبالاة والتدبير السلبي للحاجيات والمطالب المحلية، إضافة إلى الميل نحو عدم التجديد والتغيير بسبب ميزان القوى داخل السلطة المركزية، هذا فضلا عن كون التنمية المملاة من المركز غالبا مايطغى عليها الطابع الإنتقائي اجتماعيا ومجاليا.
أما رهانات الحكامة الجيدة في علاقتها بالتنمية المحلية في إطار علاقتها بالتنمية المحلية ، هي الدفع بالديمقراطية المحلية نحو الأرقى، وهذا الرقي لن يتحقق إلا إذا تم استحضار مؤشرات التنمية المحلية والمتمثلة في الرفع من مستوى التعليم والوعي لدى السكان المحليين وتحسين أوضاعهم الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، بالإضافة إلى تعزيز دولة الحق والقانون بمؤسسات مبنية على أسس صلبة، تحفز الفرد على المشاركة في الحياة العامة بكامل الإلتزام والمسؤولية.
إلى جانب جعل الجماعة الترابية إطارا جغرافيا قاعديا لإنتاج تنمية محلية مستدامة قادرة على جلب الاستثمار وإنعاش التشغيل ومحاربة التهميش والإقصاء الإجتماعي والممارسة الديمقراطية وترسيخ قيم المواطنة البناءة والمشاركة الفعالة لكل مكونات المجتمع المحلي، مع إقرار مبدأ المساءلة والمراقبة. فالحكامة الجيدة كأداة وآلية لتحقيق التنمية على المستوى المحلي، ارتبطت في الخطابات السياسية والإقتصادية منذ ظهورها كمفهوم جديد بالهيئات المحلية، حيث وجدت في المحلي أرضية ملائمة لتوطيد دعائمها، وحقلا خصبا لتجريب أولوياتها، ورسم خططها التنموية ووضع استراتيجياتها الإقتصادية والإجتماعية. وفي هذا السياق اعتمد المغرب قانون 113.14 المتعلق بالجماعات الترابية الذي ربط عمل الجماعة بالتنمية المحلية في سياق الحكامة الجيدة وذلك طبقا لمقتضيات الدستور الجديد.
ومن هذا المنطلق تبدو أهمية دراسة الحكامة الجيدة في علاقتها بالتنمية المحلية، والتي أصبحت موضوعا يتموقع في عمق انشغالات المنظمات الدولية والأوساط الأكاديمية والإدارية، حيث ماكان ليحظى بهذه الأهمية لو لم تكن هناك في الحقيقة إشكالية تطرح على مستوى تدبير الشأن العام المحلي، ولعل ذلك مايفسر تزايد الإهتمام في السنوات الأخيرة بمفهوم الحكامة كنموذج جديد للتنمية وآلية لتحسين الإدارة اللامركزية على جميع المستويات والميادين، وبما أن الهدف من الحكامة تحسين ووضع آليات للتدبير الرشيد والجيد للجماعات المحلية بغية تحقيق تنمية محلية شاملة ومستديمة، خاصة وأن حجم الإختلالات التي تعيشها هذه الأخيرة تستدعي سرعة التدخل، وذلك انسجاما مع أدبيات التوجه الإصلاحي الجديد المقبل عليه المغرب، في أفق تطبيقه لجهوية متقدمة ومتدرجة تنطلق من الأقاليم الجنوبية لتشمل كل مناطق المملكة، كما نص عليها دستور2011.