اسرار بريس// الحبيب السرناني
من خلال قراءتنا المتواضعة للخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى ال17 لتربع جلالة الملك محمد السادس على عرش أسلافه المنعمين، نستشف منه قبل كل شيء أنه يأتي في مرحلة داخلية ودولية متميزة، وانصب على التأكيد على رهان الانتخابات التشريعية المقبلة وخاصة أنها تعد الثانية بعد دستور 2011 وعلى ضرورة الارتقاء بالعمل السياسي. وذلك حسب محاور الخطاب الأربعة التالية : تحديات الاستحقاق الانتخابي والسياسة الداخلية، الحديث عن المشاريع التنموية والاستثمارات، تقدير جهود المصالح الامنية في تفكيك الخلايا الارهابية، ثم سياسة المغرب الخارجية والجالية.
أولا: التأكيد على ضرورة الارتقاء بالعمل السياسي وجعل الاستحقاقات التشريعية المقبلة مناسبة للانكباب على القضايا الحقيقية وتجاوز الصراعات الحزبية الضيقة والاهتمام بتحقيق المصالح الخاصة إلى التركيز على القضايا الوطنية وتلك المرتبطة بالشأن العام وتطوير أداء تدبير الشأن العام في سياق المفهوم الجديد للسلطة والحكامة الجيدة، وفي حديثه عن الانتخابات وما يجب الالتزام به لانجاح هذا الاستحقاق، عرج للحديث عن الفساد، فاعترف أنه لا أحد معصوم من الفساد إلاّ الانبياء والملائكة والرسل، واذا ما قمنا بتمطيط هذا “الاعتراف” فإننا سنصل إلى نتيجة مفادها أن الملك نفسه قد يُقدم على الفساد، ما دام انه ليس نبيا ولا ملاكا ولا رسولا، اذن هو أيضا معرض لارتكاب الفساد، لكن يُستبعد جدا أن يكون المقصود من كلامه هنا هو الاعتراف بهذا، بل جاءت هذه الفقرة أساسا لمحاولة الدفاع عما سُمي اعلاميا بفضيحة “تجزئة خدام الدولة”، وللتخفيف من هول الفضيحة، حاول أن يؤكد أن لا احد معصوم من الفساد، وفي نفس الوقت حاول توجيه اللوم لمن لا يقوم بجهوده لمحاربة الفساد، يقول الملك في خطابه :”كما أن مفهومنا للسلطة يقوم على محاربة الفساد بكل أشكاله: في الانتخابات والإدارة والقضاء، وغيرها.
وعدم القيام بالواجب، هو نوع من أنواع الفساد.”ومع ذلك أكد ان المؤسسة الملكية فوق كل حزب، بمعنى أن المؤسسة الملكية هي المرجع في احترام الدستور وصيانة الاختيار الديموقراطي، وهي بذلك فوق الاحزاب والخصوم السياسيين، هي الحَكَم وليست طرفاً، وفي هذا اشارة الى ربط حزب الاصالة والمعاصرة بالملك، لذلك اختار قبل الحديث عن الانتخابات التأكيد على كونه لا يناصر حزبا ولا يشارك في الانتخابات، هو فوق الاصطفاف السياسي والحزبي. ثانيا: الحديث عن المشاريع التنموية والاستثمارات ودائما في هذه النقطة بالذات تكرر في جميع خطب صاحب الجلالة للتذكير بالتنمية البشرية والاستثمارات التنموية ومدى تتبع واهتمام جلالته بهذا المجال . ثالثا: ير جهود المصالح الامنية في تفكيك الخلايا الإرهابية وفي هذا الاطار فقد اكد جلالته على الانخراط المغربي الفاعل في مكافحة الإرهاب، سواء عبر اعتماد آليات داخلية وخصوصا على مستوى يقظة الأجهزة الأمنية المغربية، فضلا عن التركيز على أن المغرب انخرط، بشكل فاعل وناجع، على مستوى تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لكسب هذا الرهان الذي يدعم الاستقرار العالمي الذي انخرط فيه المغرب منذ سنوات. كما أكد جلالة الملك على أن ربح رهان الاستقرار الداخلي والخارجي يعد أمرا أساسيا، وأنه على الرغم من التهديدات الإقليمية والدولية التي يطرحها الإرهاب الدولي فإن الاستقرار المغربي بات واضحا ويفرض نفسه وهو ما تسجله ثقة الشركات الدولية الكبرى والمستثمرين الذين عادة ما يبحثون عن فضاءات آمنة ومستقرة. رابعا : سياسة المغرب الخارجية والجالية وفي ما يتعلق بالتوجهات الجديدة للسياسة الخارجية المغربية، نشير إلى أن جلالة الملك أكد على التوجهات السيادية للسياسة الخارجية المغربية، والتي تستحضر، بالأساس، المصالح العليا والاستراتيجية للمملكة المغربية سواء على مستوى تنويع الشركاء أو التحرك في إطار التعاون جنوب – جنوب الذي يعتبر خيارا مغربيا استراتيجيا نابعا من اقتناع المغرب بالإمكانيات التي تزخر بها هذه الدول. ويظهر اختيار المغرب لتنويع شركائه ، من خلال الانفتاح على قوى اقتصادية كبرى كما هو الشأن بالنسبة للصين والهند وروسيا، وذلك ما أثاره الخطاب الملكي الذي “كان واضحا من حيث التأكيد على أن توجه المغرب نحو تنويع شركائه لن يكون على حساب علاقاته التقليدية وخصوصا على مستوى الشركاء التقليديين (الاتحاد الأوروبي) والعلاقات المغربية الفرنسية والمغربية الإسبانية التي تتطور باستمرار”. وارتباطا بقضية الوحدة الترابية للمملكة، فقد شدد الخطاب الملكي على ضرورة اليقظة ليس فقط من جانب الحكومة وحدها بل من قبل جميع الفاعلين . وفي الختام نخلص القول أن خطاب العرش المجيد يحمل في طياته مجموع من الرسائل لمن يهمهم الأمر، لكنه غابت عنه مجموعة من الأمور التي لها علاقة بالدمقراطية التشاركية وتقسيم الثروة بين كل المواطنين مناصفة فلو مثلا تم إعادة بعض السطور من خطاب العرش لسنة 2014 الذي كان يتحدث عن الفقر والثروة لاعتقدنا انه يقصد القضاء على خدام الدولة .
وبهذا فان معظم المواطنين كانوا ينتظرون الحديث عن خدام الدولة والاشكالات العملية لقانون زرو ميكة والانفلات الأمني الذي تعرفه البلاد ناهيك على المشاحنات السياسية بين الأحزاب وجور القضاة في اطار ما يسمى باستقلال القضاء واليات محاربة الفساد المالي وعلاقته بمكافحة الفقر ، بالإضافة الى الحرب الإعلامية بين الأحزاب والتي تقزم أحيانا من أدوار الدستور