إذا كانت الأسرة في الأمس نواة ومرجعا وغاية في حد ذاتها فإنها أصبحت اليوم مؤسسة يحكمها التكامل الاقتصادي او بتعبير أدق -غير جزمي-مقاولة منظمة ،ولعل واقع الأسر في الحواضر المغربية شاهد على هذا القول؛ حيث ان الزوجة المغربية العاملة والموظفة تساهم بالموازاة مع الزوج في دفع أقساط المنزل والسيارة وغيرها من المتطلبات المادية للأسرة حامية حقوقها المادية بعقود التشارك في هده الأملاك كل على حدا أو بالعقد الاتفاقي الذي يتم إمضاؤه على هامش عقد الزواج والذي يتضمن الحدود والمستحقات المادية والملكية لطرفي عقد الزواج.
ان المجتمع المغربي يمر بأوضاع انتقالية وحداثية تفرض مواكبة هذه السيرورة الدينامية من جميع النواحي خصوصا مع سيادة مفهوم حقوق الانسان وتوقيع المملكة المغربية على الاتفاقيات الدولية المناهضة للميز ضد المرأة ، ولاستيعاب الجوانب الرئيسية لتطور الهياكل الاسرية لابد من استحضار الجانب القانوني، خاصة النص القانوني عندما يصير الية لإعادة انتاج الامساواة بين الذكر والانثى او بين الاناث بعضهن البعض حسب تراتبيتهن السوسيواقتصادية.
فاذا كانت المرأة الحديثة محصنة قانونيا من أي تعسف مادي او استنزاف للحق فماذا عن المرأة القروية التي يظل عملها وكدها رهين اختفائية قاتمة.
هذا بالضبط ما حاول السوسيولوجي المغربي عبد الرحيم عنبي اثارة الانباه اليه عبر مشاركته في برنامج بدون حرج الإثنين 23 يناير2017 على قناة ميد 1 تيفي في مداخلة تحت عنوان: الفصل 49 من مدونة الأسرة، بحيث يرى أن هذا الفصل لا يتوافق بتاتا مع الأسر المغربية على اعتباره يتحدث عن نوع واحد من الأسر، ضاربا أمثلة لذلك، بوجود أسر مغربية، في شمال المغرب خاصة بنواحي وزان وتاونات، إذ تعمل المرأة طوال حياتها الزوجية، دون أن تنال الاعتراف بما تقوم به. لكون المجتمع يعتقد، بأن ما تقوم به الزوجة هو مكمل لأنوثتها. كما بين عمل الزوجة في تازناخت حيث تقوم بصناعة الزربية، التي يبيعها الزوج في السوق ويستولي على ما يتحصل عليه من نقود.
بعد ذلك، تم الحديث عن الكد والساعية، كعرف تعرفه جهة سوس، يساهم في حماية المرأة، هذا الذي يسمى بتمازالت أو حق الشقا. كما يعرف هذا العرف بجهات أخرى من المملكة بحريق اليد أو الجراية. بحيث أبرز دور مؤسسة الفقيه في سوس، في تطوير هذا العرف عن طريق النوازل الفقهية والتي تدخل في باب الكد والسعاية، الذي كان يشمل وقتها كل أفراد الأسرة الذين يساهمون في تنمية الاقتصاد الأسري، سواء تعلق الأمر بالزوجة في حالة الطلاق أو الترمل وكذلك الأبناء والبنات، مشيرا أن الفصل 49 من مدونة الأسرة لا يستند بشكل صريح على مبدأ الكد والسعاية. على اعتبار أن الفقهاء كانوا يعتمدون الخبرة الميدانية، وذلك عن طريق خبراء يقيمون عمل الزوجة. لكن، مدونة الأسرة، تبقى عاجزة عن ذلك، وهنا حمل وزارة العدل والحريات المسؤولية، كونها لم توظف المساعدين الاجتماعيين الذين سوف يقومون بأبحاث ميدانية وكتابة تقارير من شأنها أن تساعد القاضي في اتخاذ القرارات.
يرى الأستاذ عنبي أن المشرع المغربي، لا يفقه الواقع والتحولات التي تطرأ عليه، فالنص القانوني يعرف جمودا أمام واقع يتحول باستمرار وهنا حمل الدولة مسؤولية كبيرة، بحيث لا تتعامل بوضوح مع المؤسسة الأسرية، وتجعلها تتواجد بين العرف والقانون والشريعة. كما أن العرف لما تعلق الأمر بالأراضي السلالية، فإن وزارة الداخلية نصبت هيئة مستقلة أي ما يسمى نواب أراضي الجموع، التي يستمر فيها الإقصاء الممنهج للمرأة، في حين أن الكد والسعاية جعلت أمره موكولا للقاضي والذي في كثير من الأحيان لا ينصف المٍرأة لأنه يطلب وثائق الإثبات وهذا أمر يصعب مع عدم الاعتراف بعمل المرأة وكذلك انخراطها بشكل أكبر في الاقتصاد غير المهيكل مستبعدا في الاتجاه نجاعة اللفيف العدلي الذي يعتمد عليه القضاء في حالة غياب الوثائق، ضاربا بعض الأمثلة التي تعبر عن قضايا عرضت أمام المحاكم.
إن القانون اليوم غير قادر على لعب الدور الكبير في تغيير وضعية المرأة، لكون المجتمع يقاوم التغيير، حسب الأستاذ عنبي مشيرا في ذلك إلى تغيير العقليات والأنماط الثقافية السائدة حول المرأة.