ياسين أوشن
ا
يبدو أن التيارات السلفية بمختلف توجهاتها، كما كان متوقعا سلفا، استقبحت قرار وزارة الداخلية القاضي بمنع المتاجرة في البرقع أو الخمار داخل كامل التراب المغربي، واعتبرت هذا البلاغ انتهاكا لحقوق الإنسان ومسا للخصوصية الفردية والحرية الشخصية لكل مواطن مغربي، متسائلة عن دواعي هذا القرار الفجائي الذي لا يستند على أي أساس منطقي حسبهم.
فأن تنطق بالشهادتين وأنت على متن مصعد رفقة منقبة لا ترى سوى عينيها الجاحظتين من شدة الخوف، وأن تنزل من القطار قبل المحطة المقصودة منتظرا التالي، فقط لأن منقبتين كانتا جالستين بالقرب منك على متن الأول متوجسا من أن تصير أشلاءً؛ كلها أسباب تجعلني مرتاحا لقرار وزارة الداخلية الصائب والمتأخر شيئا ما في الوقت ذاته، وأكثر ارتياحا لَمَا يُطبق بشكل عملي، لأنه من حقنا معرفة هوية من يشاركنا الفضاء العام الذي نستغله لقضاء مآربنا دون وجل.
وَاهم من يظن أن النقاب لباس مغربي، ومخطئ من يربط بين النقاب والحجاب، وعادة ما يسمى غطاء رأس المرأة حجابا، وهذا ما أكدته إجابات بعض المستجوَبين في “ميكروطروطوارت” عديدة منتشرة على المواقع الإلكترونية، إذ لا يميز المستجوَب في إجاباته بين النقاب والحجاب، فيشرع في التعبير عن رأيه بخصوص الحجاب لا بخصوص النقاب أو البرقع دون توجيه من “الصحافي” الذي يترك “الضيف” يدلي بدلوه في موضوع لم يثر يوما جدلا داخل المغرب، وليس هو الموضوع المراد تسليط الضوء عليه.
ليس من الضروري ارتداء هذه “الخيام المتنقلة” للتعبير عن عفة المرأة، والنقاب ليس مقياسا لقياس درجة إيمان الإنسان، فأبو هريرة قال: “إن الله لا ينظر إلى أجسامكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم”، وقال تعالى: “إن أكرمكم عند الله أتقاكم”.
فأمهاتنا، نحن المغاربة، “كلهن” مسلمات ومُحجبات ومُحصنات وعفيفات، لكنهن لسنا منقبات أو “مبرقعات”، فقط لأن هذا الزي دخيل ولا صلة له بالثقافة المغربية الأصيلة، بل هو لباس مستورد، وهو “زي فرضته حكومة طالبان عندما استولت على أفغانستان في التسعينيات”، كما يؤكد ذلك الباحث المغربي في الشأن الديني والجماعات الإسلامية إدريس الكنبوري.
أتدرون أيها “الملتحون” و”المنقبات”، لقد زرعتم فينا، بعد متابعة الأعمال الإرهابية المنتشرة عبر العالم، الرعب والفوبيا، فوبيا الموت، فوبيا الدماء، فوبيا الأطراف المتناثرة هنا وهناك، فوبيا كل ما هو منقب ومظلم، فوبيا الغموض، أسأتم إلى أنفسكم/كن قبل أن تسيئوا إلى الآخرين، بعدما بدأ “الكل” يتهرب منكم ومن الأماكن التي ترتادونها خوفا على حيواتهم، لأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة بتعبير الشاعر الفلسطيني محمود درويش.
لن أتعاطف مع المنقبات المنددات بهذا القرار، بمبرر احترام الحريات الفردية كما البعض فاعل، بقدر ما سأقف إلى صف التجار وأصحاب المحلات الذين يجنون قوت يومهم من هذه التجارة، إذ سيواجهون المجهول بسبب هذا القرار، وسيعاني الكثير منهم، ممن لا دخل له إضافي، من ذائقة مالية تخنقهم وأسرهم نتيجة الخسارة التي ستعصف بهم وبسلعتهم، لذا على الدولة قبل أن تفكر في إصدار هكذا قرار، أن توفر عملا يقيهم شظف العيش ويحفظ ماء الوجه حتى لا نسمع، لا قدر الله، عن تشريد أو إحراق للذات أو انتحارات أو متابعات قضائية في حق بعضهم ممن لن ينصاع لقرار وزارة الداخلية الرامي إلى حظر إنتاج وتسويق لباس البرقع في كافة ربوع المملكة.